لما ذكر تعالى حال أصحاب اليمين، عطف عليهم بذكر أصحاب الشمال فقال :﴿ وَأَصْحَابُ الشمال مَآ أَصْحَابُ الشمال ﴾ أي أيُّ شيء هم فيه أصحاب الشمال؟ ثم فسر ذلك فقال :﴿ فِي سَمُومٍ ﴾ وهو الهواء الحار، ﴿ وَحَمِيمٍ ﴾ وهو الماء الحار، ﴿ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ ﴾ قال ابن عباس : ظل الدخان، وهذه كقوله تعالى :﴿ انطلقوا إلى ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ * لاَّ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي مِنَ اللهب ﴾ [ المرسلات : ٣٠-٣١ ] ولهذا قال هاهنا :﴿ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ ﴾ وهو الدخان الأسود ﴿ لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ ﴾ أي ليس طيب الهبوب، ولا حسن المنظر ﴿ وَلاَ كَرِيمٍ ﴾ أي ولا كريم المنظر، وقال الضّحاك : كل شراب ليس بعذب فليس كريم، هذا اللحم ليس بسمين ولا كريم، ثم ذكر تعالى استحقاقهم لذلك فقال تعالى :﴿ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ ﴾ أي كانوا في الدار الدنيا منعمين، مقبلين على لذات أنفسهم، ﴿ وَكَانُواْ يُصِرُّونَ ﴾ أي يقيمون ولا ينوون توبة عَلَى ﴿ الحنث العظيم ﴾، وهو الكفر بالله، قال ابن عباس : الحنث العظيم : الشرك، وقال الشعبي : هو اليمين الغموس ﴿ وَكَانُواْ يِقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَ آبَآؤُنَا الأولون ﴾ يعني أنهم يقولون ذلك مكذبين به مستبعدين لوقوعه، قال الله تعالى :﴿ قُلْ إِنَّ الأولين والآخرين * لَمَجْمُوعُونَ إلى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ﴾ أي أخبرهم يا محمد أن الأولين والآخرين من بني آدم سيجمعون إلى عرصات القيامة لا يغادر منهم أحد، كما قال تعالى :﴿ ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ [ هود : ١٠٣ ]، ولهذا قال هاهنا :﴿ لَمَجْمُوعُونَ إلى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ﴾ أي هو موقت بوقت محدود ولا يتأخر، ولا يزيد ولا ينقص، ﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضآلون المكذبون * لأَكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا البطون ﴾، وذلك أنهم يقبضون ويسجرون حتى يأكلوا من شجر الزقوم حتى يملأوا منهم بطونهم، ﴿ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الحميم * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الهيم ﴾ وهي الإبل العطاش واحدها أهيم والأنثى هيماء، ويقال : هائم وهائمة، قال ابن عباس ومجاهد : الهيم الإبل العطاش الظماء، وق السدي : الهيم داء يأخذ الإبل فلا تروى أبداً حتى تموت، فكذلك أهل جهنم لا يروون من الحميم أبداً، ثم قال تعالى :﴿ هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدين ﴾ أي هذا الذي وصفنا هو ضيافتهم عند ربهم يوم حسابهم، كما قال تعالى في حق المؤمنين :﴿ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الفردوس نُزُلاً ﴾ [ الكهف : ١٠٧ ] أي ضيافة وكرامة.