« فإنه لما استقدمه النبي ﷺ حاكماً في بني قريضة، فرآه مقبلاً قال للمسلمين :» قوموا إلى سيدكم « » وما ذاك إلاّ ليكون أنفذ لحكمه والله أعلم، فأما اتخاذه ديدناً فإنه من شعار العجم، وقد جاء في السنن أنه لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله ﷺ، وكان إذا جاء لا يقومون له لما يعلمون من كراهته لذلك.
وفي الحديث المروي في السنن « أن رسول الله ﷺ كان يجلس حيث انتهى به المجلس، ولكن حيث يجلس يكون صدر ذلك المجلس؛ فكان الصحابة رضي الله عنهم يجلسون منه على مراتبهم، فالصديق رضي الله عنه يجلسه عن يمينه وعمر عن يساره، وبين يديه غالباً عثمان وعليّ لأنهما كانا ممن يكتب الوحي، وكان يأمرهما بذلك »، كما روى مسلم عن ابن مسعود أن رسول الله ﷺ كان يقول :« ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذي يلونهم »، وما ذاك إلاّ ليعقلوا عنه ما يقوله صلوات الله وسلامه عليه، وفي الحديث الصحيح :« بينا رسول الله ﷺ جالس إذ أقبل ثلاثة نفر، فأما أحدهم فوجد فرجة في الحلقة فدخل فيها، وأما الآخر فجلس وراء الناس، وأدبر الثالث ذاهباً، فقال رسول الله ﷺ :» ألا أنبئكم بخبر الثلاثة؟ أما الأول فآوى إلى الله فآواه الله، وأما الثاني فاستحيا، فاستحيا الله منه، وأما الثالث فأعرض، فأعرض الله عنه « » وروى الإمام أحمد، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله ﷺ قال :« لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلاّ بإذنهما » وقد روي عن ابن عباس والحسن البصري في قوله تعالى :﴿ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي المجالس فافسحوا يَفْسَحِ الله لَكُمْ ﴾ يعني في مجالس الحرب، قالوا : ومعنى قوله :﴿ وَإِذَا قِيلَ انشزوا فَانشُزُواْ ﴾ أي انهضوا للقتال، وقال قتادة :﴿ وَإِذَا قِيلَ انشزوا فَانشُزُواْ ﴾ أي إذا دعيتم إلى خير فأجيبوا، وقال مقاتل : إذا دعيتم إلى الصلاة فارتفعوا إليها، وقوله تعالى :﴿ يَرْفَعِ الله الذين آمَنُواْ مِنكُمْ والذين أُوتُواْ العلم دَرَجَاتٍ والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ أي لا تعتقدوا أنه إذا فسح أحد منكم لأخيه أن ذلك يكون نقصاً في حقه، بل هو رفعة ورتبة عند الله، والله تعالى لا يضيع ذلك له، بل يجزيه بها في الدنيا والآخرة، فإن من تواضع لأمر الله رفع الله قدره ونشر ذكره، ولهذا قال تعالى :﴿ يَرْفَعِ الله الذين آمَنُواْ مِنكُمْ والذين أُوتُواْ العلم دَرَجَاتٍ والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾، أي خبير بمن يستحق ذلك وبمن لا يستحقه، روى الإمام أحمد عن أبي الطفيل