يقول الله تعالى منكراً على المنافقين في موالاتهم الكفار في الباطن، وهم في نفس الأمر لا معهم ولا مع المؤمنين، كما قال تعالى :﴿ مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلك لاَ إلى هؤلاء وَلاَ إِلَى هؤلاء ﴾ [ النساء : ١٤٣ ]، وقال هاهنا :﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين تَوَلَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ الله عَلَيْهِم ﴾ يعني اليهود الذين كان المنافقون يمالئونهم ويوالونهم في الباطن، ثم قال تعالى :﴿ مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ ﴾ أي هؤلاء المنافقون ليسوا في الحقيقة منكم أيها المؤمنون، ولا من الذين يوالونهم وهم اليهود، ثم قال تعالى :﴿ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الكذب وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ يعني المنافقين يحلفون على الكذب، وهم عالمون بأنهم كاذبون فيما حلفوا وهي اليمين الغموس، ولا سيما في مثل حالهم اللعين عياذاً بالله منه، فإنهم كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا، وإذا جاءوا الرسول حلفوا له أنهم مؤمنون، وهم في ذلك يعلمون أنهم يكذبون فيما حلفوا به، لأنهم لا يعتقدون صدق ما قالوه، وإن كان في نفس الأمر مطابقاً، ولهذا شهد الله بكذبهم في أيمانهم وشهادتهم لذلك. ثم قال تعالى :﴿ أَعَدَّ الله لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ أي أرصد الله لهم معلى هذا الصنيع العذاب الأليم على أعمالهم السيئة وهي موالاة الكافرين ونصحهم ومعاداة المؤمنين وغشهم، ولهذا قال تعالى :﴿ اتخذوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله ﴾ أي أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر واتقوا بالأيمان الكاذبة، فظن كثير ممن لا يعرف حقيقة أمرهم صدقهم فاغتر بهم فحصل بهذا صد عن سبيل الله لعبض الناس ﴿ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾، أي في مقابلة ما امتهنوا من الحلف باسم اللفه العظيم في الأيمان الكاذبة الحانثة، ثم قال تعالى :﴿ لَّن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ الله شَيْئاً ﴾، أي لن يدفع ذلك عنهم بأساً إذا جاءهم :﴿ أولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ ثم قال تعالى :﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعاً ﴾ أي يحشرهم يوم القيامة عن آخرهم فلا يغادر منهم أحداً، ﴿ فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ على شَيْءٍ ﴾ أي يحلفون بالله عزَّ وجلَّ أنهم كانوا على الهدى والاستقامة كما كانوا يحلفون للناس في الدنيا، لأن من عاش على شيء مات عليه وبعث عليه ويعتقدون أن ذلك ينفعهم عند الله كما كان ينفعهم عند الناس فيجرون عليهم الأحكام الظاهرة، ولهذا قال :﴿ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ على شَيْءٍ ﴾ أي حلفهم ذلك لربهم عزّ وجلّ، ثم قال تعالى منكراً عليهم حسبانهم ﴿ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الكاذبون ﴾ فأدك الخبر عنهم بالكذب، روى ابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير، أن ابن عباس حدَّثه « أن النبي ﷺ كان في ظل حجرة من حجره وعنده نفر من المسلمين، قد كان يقلص عنهم الظل، قال :» إنه سيأتيكم إنسان ينظر بعيني شيطان فإذا أتاكم فلا تكلموه « فجاء رجل أزرق، فدعاه رسول الله ﷺ فكلمه، فقال :» علام تشتمني أنت وفلان وفلان « نفر دعاهم بأسمائهم قال، فانطلق الرجل فدعاهم فحلفوا له واعتذروا إليه، قال : فأنزل الله عزَّ وجلَّ :﴿ فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ على شَيْءٍ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الكاذبون ﴾ »