يقول تعالى مخبراً عن الكفار المعاندين المحادين لله ورسوله يعني الذين هم في حد والشرع في حد، أي مجانبون للحق مشاقون له، هم في ناحية والهدى في ناحية ﴿ أولئك فِي الأذلين ﴾ أي في الأشقياء المبعدين الأذلين في الدنيا والآخرة. ﴿ كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلي ﴾ أي قد حكم وكتب في كتابه الأول، وقدره الذي لا يخالف ولا يمانع ولا يبدل، بأن النصرة له ولكُتُبه ورسله وعباده المؤمنين في الدنيا والآخرة، و ﴿ إِنَّ العاقبة لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [ هود : ٤٩ ]، كما قال تعالى :﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين آمَنُواْ فِي الحياة الدنيا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد ﴾ [ غافر : ٥١ ]، وقال هاهنا :﴿ كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلي إِنَّ الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ أي كتب القوي العزيز أنه الغالب لأعدائه، وهذا قدر محكم وأمر مبرم أن العاقبة والنصرة للمؤمنين في الدنيا والآخرة، ثم قال تعالى :﴿ لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ الله وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانوا آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾ أي لا يوادون المحادين ولو كانوا من الأقربين، كما قال تعالى :﴿ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقترفتموها وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حتى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ والله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين ﴾ [ التوبة : ٢٤ ] أنزلت هذه الآية ﴿ لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر ﴾ إلى آخرها، في ( أبي عبيدة بن الجراح ) حين قتل أباه يوم بدر، ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جعل الأمر شورى بعده في أولئك الستة رضي الله عنهم : ولو كان أبو عبيدة حياً لا ستخلفته، وقيل : في قوله تعالى :﴿ وَلَوْ كانوا آبَآءَهُمْ ﴾ نزلت في أبي عبيدة قتل أباه يوم بدر، ﴿ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ ﴾ في الصديق، همَّ يومئذٍ بقتل ابنه عبد الرحمن ﴿ أَوْ إِخْوَانَهُمْ ﴾ في مصعب بن عمر قتل أخاه عبيد بن عمير يومئذٍ، ﴿ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾ في عمر قتل قريباً له يومئذٍ أيضاً، وفي حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث، قتلوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة يومئذٍ، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ أولئك كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمان وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ ﴾ أي من اتصف بأنه لا يواد من حاد الله ورسوله، ولو كان أباه أو أخاه فهذا ممن كتب الله في قلبه الإيمان، أي كتب له السعادة وقررها في قلبه، وزين الإيمان في بصيرته، قال السدي :﴿ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمان ﴾ جعل في قلوبهم الإيمان، وقال ابن عباس ﴿ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ ﴾ أي قواهم، وقوله تعالى :﴿ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ﴾ كل هذا تقدم تفسيره غير مرة.
وقوله تعالى :﴿ رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ﴾ سر بديع وهو أنه لما سخطوا على القرائب والعشائر في الله تعالى عوضهم الله بالرضا عنهم، وأرضاهم عنه بما أعطاهم من النعيم المقيم والفوز العظيم، والفضل العميم، وقوله تعالى :﴿ أولئك حِزْبُ الله ﴾ أي هؤلاء حزب الله أي عباد الله وأهل كرامته، وقوله تعالى :﴿ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الله هُمُ المفلحون ﴾ تنويه بفلاحهم وسعادتهم ونصرتهم في الدنيا والآخرة.