ففعلوا فأطلقه رسول الله ﷺ على أن يبعث ابنته إليه، فوفى له بذلك، وصدقه فيما وعده، وبعثها إلى رسول الله ﷺ مع زيد بن حارثة رضي الله عنه، فأقامت بالمدينة من بعد وقعة بدر، وكانت سنة ( اثنتين ) إلى أن أسلم زوجها أبو العاص بن الربيع سنة ( ثمان ) فردها إليه بالنكاح الأول، ولم يحدث لها صداقاً؛ كما روى الإمام أحمد، عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ رد ابنته زينب على أبي العاص، وكانت هجرتها قبل إسلامه بست سنين على النكاح، ولم يحدث شهادة ولا صداقاً. وروي أن رسول الله ﷺ رد ابنته على أبي العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد. والذي عليه الأكثرون أنها متى انقضت العدة ولم يسلم انفسخ نكاحها منه، وقال آخرون : بل إذا انقضت الادة هي بالخيار إن شاءت أقامت على النكاح واستمرت، وإن شاءت فسخته وذهبت فتزوجت، وحملوا عليه حديث ابن عباس والله أعلم، وقوله تعالى :﴿ وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ ﴾ يعني أزواج المهاجرات من المشركين ادفعوا إليهم الذي غرموه عليهن من الأصدقة، وقوله تعالى :﴿ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾ يعني إذا أعطيتموهن أصدقتهن فأنكحوهن بشرطة، من انقضاء العدة والولي وغير ذلك.
وقوله تعالى :﴿ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر ﴾ تحرم من الله عزَّ وجلَّ على عباده المؤمنين نكاح المشركات والاستمرار معهن، وفي الصحيح « أن رسول الله ﷺ لما عاهد كفار قريش يوم الحديبية جاءه نساء من المؤمنات فأنزل الله عزَّ وجلَّ :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ المؤمنات مُهَاجِرَاتٍ ﴾ إلى قوله ﴿ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر ﴾ فطلق عمر بن الخطاب يومئذٍ امرأتين تزوج أحداهما ( معاوية بن أبي سفيان ) والأُخْرَى ( صفوان بن أُمية ) »، وقال الزهري : أنزلت هذه الآية على رسول الله ﷺ وهو بأسفل الحديبية. حين صالحهم على أنه من أتاه منهم رده إليهم، فلما جاء النساء نزلت هذه الآية، وأمره أن يرد الصداق إلى أزواجهن، وحكم على المشركين مثل ذلك إذا جاءتهم امرأة من المسلمين، أن يردوا الصداق إلى أزواجهن وقال :﴿ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر ﴾ وإنما حكم الله بينهم بذلك لأجل ما كان بينهم وبينهم من العهد، وقوله تعالى :﴿ وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ ﴾ أي وطالبوا بما أنفقتم على أزواجكم، اللاتي يذهبن إلى الكفار إن ذهبن، وليطالبوا بما أنفقوا على أزواجهم اللاتي هاجرن إلى المسلمين، وقوله تعالى :﴿ ذَلِكُمْ حُكْمُ الله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ﴾ أي في الصلح واستثناء النساء منه، والأمر بهذا كله هو حكم الله يحكم به بين خلقه، ﴿ والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ أي عليم بما يصلح عباده حكيم في ذلك، ثم قال تعالى :﴿ وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الكفار فَعَاقَبْتُمْ فَآتُواْ الذين ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ ﴾ قال مجاهد وقتادة : هذا في الكفار الذين ليس لهم عهد، إذا فرت إليهم امرأة، ولم يدفعوا إلى زوجها شيئاً، فإذا جاءت منهم امرأة لا يدفع إلى زوجها شيء، حتى يدفع إلى زوج الذاهبة إليهم مثل نفقته عليها، وقال ابن عباس في هذه الآية : يعني إن لحقت امرأة رجل من المهاجرين بالكفار، أمر له رسول الله ﷺ أنه يعطي مثل ما أنفق من الغنيمة، وهكذا قال مجاهد ﴿ فَعَاقَبْتُمْ ﴾ أصبتم غنيمة من قريش أو غيرهم ﴿ فَآتُواْ الذين ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ ﴾ يعني مهر مثلها، وهذا لا ينافي الأول، لأنه إن أمكن الأول فهو الأولى، وإلاّ فمن الغنائم اللاتي تؤخذ من أيدي الكفار، وهذا أوسع، وهو اختيار ابن جرير.