يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين، أن يكونوا أنصار الله في جميع أحوالهم، بأقوالهم وأفعالهم وأنفسهم وأموالهم، وأن يستجيبوا لله ولرسوله كما استجاب الحواريون لعيسى، حين قال :﴿ مَنْ أنصاري إِلَى الله ﴾ أي من معيني في الدعوة إلى الله عزّ وجلّ، ﴿ قَالَ الحواريون ﴾ وهم أتباع عيسى عليه السلام ﴿ نَحْنُ أَنصَارُ الله ﴾ أي نحن أنصارك على ما أرسلت به، وموازروك على ذلك، وهكذا كان رسول الله ﷺ يقول في أيام الحج :« من رجل يؤويني حتى أبلغ رسالة ربي، فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ رسالة ربي » حتى قيض الله عزّ وجلّ له الأوس والخزرج من أهل المدينة، فبايعوه ووازروه وشارطوه أن يمنعوه من الأسود والأحمر إن هو هاجر إليهم، فلما هاجر إليهم بمن معه من أصحابه، وفوا له بما عاهدوا الله عليه، ولهذا سماهم الله ورسوله ( الأنصار ) وصار ذلك علماً عليهم رضي الله عنهم وأرضاهم. وقوله تعالى :﴿ فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بني إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ ﴾ أي لما بلغ عيسى ابن مريم ﷺ رسالة ربه إلى قومه، ووازره من وازره من الحواريين، اهتدت طائفة من بني إسرائيل بما جاءهم به وضلت طائفة، فخرجت عما جاءهم به، وجحدوا نبوته ورموه وأمه بالعظائم، وهم اليهود عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة، وغلت فيه طائفة ممن اتبعه حتى رفعوه فوق ما أعطاه الله من النبوة وافترقوا فرقاً وشيعاً، فمن قائل منهم : إنه ابن الله، وقائل : إنه ثالث ثلاثة ( الأب والابن والروح القدس ) ومن قائل : إنه الله، وكل هذه الأقوال مفصلة في صورة النساء، وقوله تعالى :﴿ فَأَيَّدْنَا الذين آمَنُواْ على عَدُوِّهِمْ ﴾ أي نصرناهم على من عاداهم من فرق النصارى ﴿ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ ﴾ أي علهيم وذلك ببعثة محمد ﷺ. قال ابن عباس :﴿ فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بني إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ ﴾ يعني الطائفة التي كفرت من بني إسرائيل في زمن عيسى، والطائفة التي آمنت في زمن عيسى ﴿ فَأَيَّدْنَا الذين آمَنُواْ على عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ ﴾ بإظهار محمد ﷺ دينهم على دين الكفار، فأُمّة محمد ﷺ لا يزالون ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله وهم كذلك، وحتى يقاتل آخرهم الدجال مع المسيح ابن مريم عليه السلام كما وردت بذلك الأحاديث الصحاح، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon