يقول تعالى ذاماً لليهود، الذين أُعطوا التوراة وحملوها للعمل بها، ثم لم يعملوا بها؛ مثلهم في ذلك ﴿ كَمَثَلِ الحمار يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾ أي كمثل الحمار إذا حمل كتباً لا يدري ما فيها، فهو يحملها حملاً حسياً ولا يدري ما عليه، وكذلك هؤلاء في حملهم الكتاب الذي أوتوه، حفظوه لفظاً ولم يتفهموه، ولا علموا بمقتضاه، فهم أسوأ حالاً من الحمار، لأن الحمار لا فهم له، وهؤلاء لهم فهوم لم يستعملوها، كما قال تعالى :﴿ أولئك كالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ أولئك هُمُ الغافلون ﴾ [ الأعراف : ١٧٩ ]، وقال تعالى هاهنا :﴿ بِئْسَ مَثَلُ القوم الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِ الله والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين ﴾. عن ابن عباس قال، قال رسول الله ﷺ :« من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب، فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً، والذي يقول له : أنصت ليس له جمعة »، ثم قال تعالى :﴿ قُلْ ياأيها الذين هادوا إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ الناس فَتَمَنَّوُاْ الموت إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ أي إن كنتم تزعمون أنكم على هدى، وأنّ محمداً وأصحابه على ضلالة، فادعوا بالموت على الضال من الفئتين ﴿ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ أي فيما تزعمونه، قال الله تعالى :﴿ وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ ﴾ أي بما يعملون من الكفر والظلم والفجور ﴿ والله عَلِيمٌ بالظالمين ﴾ وقد قدمنا الكلام في سورة البقرة على هذه المباهلة لليهود حيث قال تعالى :﴿ قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدار الآخرة عِندَ الله خَالِصَةً مِّن دُونِ الناس فَتَمَنَّوُاْ الموت إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ والله عَلِيمٌ بالظالمين ﴾ [ البقرة : ٤٩-٩٥ ] كما تقدمت مباهلة النصارى في آل عمران ﴿ فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ العلم فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ ﴾ [ آل عمران : ٦١ ] الآية. عن ابن عباس قال، « قال أبو جهل لعنه الله : إن رأيت محمداً عند الكعبة لآتينه حتى أطأ على عنقه، قال، فقال رسول الله ﷺ :» لو فعل لأخذته الملائكة عياناً، ولو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار، ولو خرج الذين يباهلون رسول الله ﷺ لرجعوا لا يجدون أهلاً ولا مالاً « »، وقوله تعالى :﴿ قُلْ إِنَّ الموت الذي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إلى عَالِمِ الغيب والشهادة فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾، كقوله تعالى في سورة النساء :﴿ أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الموت وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ﴾ [ النساء : ٧٨ ]، وفي « معجم الطبراني » عن الحسن عن سمرة مرفوعاً :« مثل الذي يفر من الموت كمثل الثعلب تطلبه الأرض بدين، فجاء يسعى حتى إذا أعيا وانبهر دخل جحره : فقالت له الأرض، يا ثعلب ديني، فخرج له حصاص فلم يزل كذلك حتى تقطعت عنقه فمات ».


الصفحة التالية
Icon