يعني يؤذن به على الدار التي تسمى بالزوراء، وكانت أرفع دار بالمدينة بقرب المسجد. وذلك النداء الذي يحرم عنده الشراء والبيع إذا نودي به، فأمر عثمان رضي الله عنه أن ينادى قبل خروج الإمام حتى يجتمع الناس، وإنما يؤمر بحضور الجمعة الرجال الأحرار دون العبيد والنساء والصبيان، ويعذر المسافر والمريض وما أضبه ذلك من الأعذار كما هو مقرر في كتب الفروع.
وقوله تعالى :﴿ وَذَرُواْ البيع ﴾ أي اسعوا إلى ذكر الله واتركوا البيع إذا نودي للصلاة، ولهذا اتفق العلماء رضي الله عنهم على تحريم البيع بعد النداء الثاني، وقوله تعالى :﴿ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ أي ترككم البيع وإقبالكم إلى ذكر الله وإلى الصلاة ﴿ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ أي في الدنيا والآخرة ﴿ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾، وقوله تعالى :﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاة ﴾ أي فرغ منها ﴿ فانتشروا فِي الأرض وابتغوا مِن فَضْلِ الله ﴾ لما حجر عليهم في التصرف بعد النداء، وأمرهم بالاجتماع، أذن لهم بعد الفراغ في الانتشار في الأرض والابتغاء من فضل الله، كما كان ( عراك بن مالك ) رضي الله عنه إذا صلى الجمعة انصر فوقف على باب المسجد فقال :« اللهم إني أجبت دعوتك وصليت فريضتك، وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين، وروي عن بعض السلف أنه قال : من باغ واشترى في يوم الجمعة بعد الصلاة بارك الله له سبعين مرة لقول الله تعالى :﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاة فانتشروا فِي الأرض وابتغوا مِن فَضْلِ الله ﴾، وقوله تعالى :﴿ واذكروا الله كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ أي في حال بيعكم وشرائكم وأخذكم وإعطائكم، اذكروا الله ذكراً كثيراً، ولا تشغلكم الدنيا عن الذي ينفعكم في الدار الآخرة، ولهذا جاء في الحديث :» من دخل سوقاً من الأسواق فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة « وقال مجاهد : لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيراً حتى يذكر الله قائماً وقاعداً ومضطجعاً.


الصفحة التالية
Icon