يقول تعالى مخبراً عن الأزواج والأولاد، أن منهم من هو عدوّ الزوج والوالد، بمعنى أنه يلتهي به عن العمل الصالح، كقوله تعالى :﴿ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ الله وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فأولئك هُمُ الخاسرون ﴾ [ المنافقون : ٩ ]، ولهذا قال تعالى هاهنا :﴿ فاحذروهم ﴾ قال ابن زيد : يعني على دينكم، وقال مجاهد :﴿ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ ﴾ قال : يحمل الرجل على قطيعة الرحم، أو معصية ربه، فلا يستطيع الرجل مع حبه إلا أن يطيعه، وقال ابن أبي حاتم : عن ابن عباس، وسأله رجُل عن هذه الآية :﴿ ياأيها الذين آمنوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فاحذروهم ﴾ قال :« فهؤلاء رجال أسلموا من مكة، فأرادوا أن يأتوا رسول الله ﷺ فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم، فلما أتوا رسول الله ﷺ، رأوا الناس قد فقهوا في الدين، فهمُّوا أن يعاقبوهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية :﴿ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ » وقوله تعالى :﴿ إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ والله عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾. يقول تعالى : إنمام الأموال والأولاد ﴿ فِتْنَةٌ ﴾ أي اختبار وابتلاء من الله تعالى لخلقه، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه، وقوله تعالى :﴿ والله عِنْدَهُ ﴾ أي يوم القيامة ﴿ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ كما قال تعالى :﴿ ذلك مَتَاعُ الحياة الدنيا والله عِنْدَهُ حُسْنُ المآب ﴾ [ آل عمران : ١٤ ]. روي « أن رسول الله ﷺ كان يخطب، فجاء الحسن والحسين رضي الله عنهما عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله ﷺ من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه، ثم قال :» صدق الله ورسوله ﴿ إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما « » وقال رسول الله ﷺ :« الولد ثمرة القلوب، وإنهم مجبنة مبخلة محزنة ».
وقوله تعالى :﴿ فاتقوا الله مَا استطعتم ﴾ أي جهدكم وطاقتكم كما ثبت في الصحيحين :« إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتتم وما نهيتكم معنه فاجتنبوه »، وهذه الآية ناسخة للتي في آل عمران وهي قوله تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ [ آل عمران : ١٠٢ ]، عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ ﴾ [ آل عمران : ١٠٢ ]، قال : لما نزلت هذه الآية اشتد على القوم العمل، فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم، فأنزل الله تعالى هذه الآية تخفيفاً على المسلمين ﴿ فاتقوا الله مَا استطعتم ﴾ فنسخت الآية الأولى، وقوله تعالى :﴿ واسمعوا وَأَطِيعُواْ ﴾ أي كنوا منقادين لما يأمركم الله به ورسوله، ولا تحيدوا عنه يمنة ولا يسرة، وقوله تعالى :﴿ وَأَنْفِقُواْ خَيْراً لأَنفُسِكُمْ ﴾ أي وابذلوا مما رزقكم الله على الأقارب والفقراء والمساكين، وأحسنوا إلى خلق الله كما أحسن الله إليكم، يكن خيراً لكم في الدنيا والآخرة، وقوله تعالى :﴿ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فأولئك هُمُ المفلحون ﴾ تقدم تفسيره في سورة الحشر، وقوله تعالى :﴿ إِن تُقْرِضُواْ الله قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾ أي مهما أنفقتم من شيء فهو يخلفه، ومهما تصدقتم من شيء فعليه جزاءه، ونزّل ذلك منزلة القرض له، كما ثبت في الصحيحين أن الله تعالى يقول :