قال علي رضي الله عنه في قوله :﴿ قوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً ﴾ يقول أدبوهم وعلموهم، وقال ابن عباس : اعلموا بطاعة الله واتقوا معاصي الله وأمروا أهليكم بالذكر ينجيكم الله من النار، وقال مجاهد : اتقوا الله وأوصوا أهليكم بتقوى الله، وقال قتادة : تأمرهم بطاعة الله وتنهاهم عن معصية الله، وأن تقوم عليهم بأمر الله وتساعدهم عليه، فإذا رأيت لله معصية قذعتهم عنها وزجرتهم عنها، وقال الضحاك : حق على المسلم أن يعلم أهله من قرابته وإمائه عبيده ما فرض الله عليهم وما نهاهم الله عنه، وفي معنى هذه الآية الحديث الشريف :« مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، فإذا بلغ عشر سنين فاضربون عليها »، قال الفقهاء : وهكذا في الصوم ليكون ذلك تمريناً له على العبادة لكي يبلغ، وهو مستمر على العبادة والطاعة ومجانبة المعصية وترك المنكر، وقوله تعالى :﴿ وَقُودُهَا الناس والحجارة ﴾ وقودها : أي حطبها الذي يلقى فيها جثث بني آدم. ﴿ والحجارة ﴾ قيل : المراد بها الأصنام التي تعبد لقوله تعالى :﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ [ الأنبياء : ٩٨ ]، وقال ابن مسعود ومجاهد : هي حجارة من كبريت، أنتن من الجيفة، وقوله تعالى :﴿ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ ﴾ أي طباعهم غليظة قد نزعت من قلوبهم الرحمة بالكافرين بالله ﴿ شِدَادٌ ﴾ أي تركيبهم في غياة الشدة والكثافة والمنظر المزعج، كما روى ابن أبي حاتم. عن عكرمة أنه قال : إذا وصل أول أهل النار إلى النار، وجدوا على الباب أربعمائة ألف من خزنة جهنم سود وجوههم، كالحة أنيابهم، وقد نزع الله من قلوبهم الرحمة، ليس في قلب واحد منهم مثقال ذرة من الرحمة. لو طير الطير من منكب أحدهم لطار شهرين قبل أن يبلغ منكبه الآخر، ثم يجدون على الباب التسعة عشر، عرض صدر أحدهم سبعون خريفاً، ثم يهوون من باب إلى باب خمسمائة سنة، ثم يجدون على كل باب منها مثل ما وجدوا على الباب الأول حتى ينتهوا إلى آخرها، وقوله تعالى :﴿ لاَّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ أي مهما أمرهم به تعالى يبادروا إليه، لا يتأخرون عنه طرفة عين، وهم قادرون على فعله ليس بهم عجز عنه، وهؤلاء هم الزبانية.
وقوله تعالى :﴿ ياأيها الذين كَفَرُواْ لاَ تَعْتَذِرُواْ اليوم إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ أي يقال للكفرة يوم القيامة لا تعتذروا فإنه لا يقبل منكم، وإنما تجزون اليوم بأعمالكم، ثم قال تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ توبوا إِلَى الله تَوْبَةً نَّصُوحاً ﴾ أي توبة صادقة جازمة تمحو ما قبلها من السيئات، وتلم شعث التائب وتجمعه وتكفه عما كان يتعاطاه من الدناءات، قال عمر ( التوبة النصوح ) أن يتوب من الذنب، ثم لا يعود فيه أو لا يريد أن يعود فيه، وقال أبو الأحوص : سئل عمر عن التوبة النصوح، فقال : أن يتوب الرجل من العمل السيء ثم لا يعود إليه أبداً، وقال ابن مسعود ﴿ تَوْبَةً نَّصُوحاً ﴾ قال : يتوب ثم لا يعود، ولهذا قال العلماء : التوبة النصوح هو أن يقلع عن الذنب في الحاضر، ويندم على ما سلف منه في الماضي، ويعزم على أن لا يفعل في المستقبل، ثم إن كان الحق لآدمي رده إليه بطريقه، وفي الحديث الصحيح :


الصفحة التالية
Icon