يُمَجد تعالى نفسه الكريمة، ويخبر أنه ﴿ بِيَدِهِ الملك ﴾ أي هو المتصرف في جميع المخلوقات، بما يشاء، لا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل، لقهره وحكمته وعدله، ولهذا قال تعالى :﴿ وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾، ثم قال تعالى :﴿ الذي خَلَقَ الموت والحياة ﴾ ومعنى الآية أنه أوجد الخلائق من العدم ليبلوهم، أي يختبرهم أيهم أحسن عملاً، عن قتادة قال : كان رسول الله ﷺ يقول :« إن الله أذل بني آدم بالموت، وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت، وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء »، وقوله تعالى :﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ أي خير عملاً كما قال محمد بن عجلان، ولم يقل أكثر عملاً، ثم قال تعالى :﴿ وَهُوَ العزيز الغفور ﴾ أي هو العزيز العظيم، المنيع الجناب، وهو غفور لمن تاب إليه أناب، بعد ما عصاه وخالف أمره، فهو مع ذلك يرحم ويصفح ويتجاوز، ثم قال تعالى :﴿ الذي خَلَقَ سَبْعَ سماوات طِبَاقاً ﴾ أي طبقة بعد طبقة، وقوله تعالى :﴿ مَّا ترى فِي خَلْقِ الرحمن مِن تَفَاوُتٍ ﴾ أي ليس فيه اختلاف ولا تنافر، ولا نقص ولا عيب ولا خلل، ولهذا قال تعالى :﴿ فارجع البصر هَلْ ترى مِن فُطُورٍ ﴾ أي انظر إلى السماء فتأملها، هل ترى فيها عيباً أو نقصاً أو خللاً أو فطوراً؟ قال ابن عباس ومجاهد ﴿ هَلْ ترى مِن فُطُورٍ ﴾ أي شقوق، وقال السدي : أي من خروق، وقال قتادة : أي هل ترى خللاً يا ابن آدم؟ وقوله تعالى :﴿ ثُمَّ ارجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ ﴾ مرتين، ﴿ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً ﴾ قال ابن عباس : ذليلاً، وقال مجاهد صاغراً، ﴿ وَهُوَ حَسِيرٌ ﴾ يعني وهو كليل، وقال مجاهد : الحسير المنقطع من الإعياء، ومعنى الآية : إنك لو كررت البصر مهما كررت، لا نقلب إليك أي لرجع إلي البصر ﴿ خَاسِئاً ﴾ عن أن يرى عيباً أو خللاً، ﴿ وَهُوَ حَسِيرٌ ﴾ أي كليل قط انقطع من الإعياء، من كثرة التكرر ولا يرى نقصاً، ولما نفى عنها من خلقها النقص، بيّن كمالها وزينتها فقال :﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السمآء الدنيا بِمَصَابِيحَ ﴾ وهي الكواكب التي وضعت فيها من السيارات والثوابت، وقوله تعالى :﴿ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ ﴾ عاد الضمير في قوله ﴿ وَجَعَلْنَاهَا ﴾ على جنس المصابيح لا على عينها، لأنه لا يرمى بالكواكب التي في السماء، بل بشهب من دونها، وقد تكون مستمدة منها، والله أعلم. ﴿ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السعير ﴾ أي جعلنا للشياطين هذا الخزي في الدنيا، وأعتدنا لهم عذاب السعير في الآخرى كما قال تعالى :﴿ إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الخطفة فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ﴾ [ الصافات : ١٠ ] قال قتادة : إنما خلقت هذه النجوم لثلاث خصال : خلقها الله زينة للسماء، ورجوماً للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك فقدقال برأيه، وأخطأ حظه، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به.