وقال ابن جرير : إنما وصف الله تعالى نفسه بالقدرة على كل شيء في هذا الموضع لأنه حذر المنافقين بأسه وسطوته وأخبرهم أنه بهم محيط، وعلى إذهاب أسماعهم وأبصارهم قدير ومعنى ( قدير ) قادر كما معنى ( عليم ) عالم. وذهب ابن جرير ومن تبعه من كثير من المفسرين إلى أن هذين المَثَلين مضروبان لصنف واحد من المنافقين. وتكون ( أو ) في قوله تعالى :﴿ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السمآء ﴾ بمعنى الواو، كقوله تعالى :﴿ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً ﴾ [ الإنسان : ٢٤ ] أو تكون للتخيير. أي اضرب لهم مثلاً بهذا وإن شئت بهذا. قال القرطبي : أو للتساوي مثل جالس الحسن أو ابن سيرين، ووجَّهه الزمخشري بأن كلا منهما مساو للآخر في إباحة الجلوس إليه ويكون معناه على قوله : سواء ضربت لهم مثلاً بهذا أو بهذا فهو مطابق لحالهم.
( قلت ) : وهذا يكون باعتبار جنس المنافقين فإنهم أصناف ولهم أحوال وصفات، كما ذكرها الله تعالى في سورة ( براءة ) - ومنهم - ومنهم - ومنهم - يذكر أحوالهم وصفاتهم وما يعتمدونه من الأفعال والأقوال، فجعل هذين المثلين لصنفين منهم أشدُّ مطابقة لأحوالهم وصفاتهم والله أعلم، كما ضرب المثلين في سورة ( النور ) لصنفي الكفّار الدعاة والمقلدين، وفي قوله تعالى :﴿ والذين كفروا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ ﴾ [ النور : ٣٩ ] إلى أن قال :﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ ﴾ [ النور : ٤٠ ] الآية. فالأول للدعاة الذين هم في جهل مركب، والثاني لذوي الجهل البسيط من الأتباع المقلدين، والله أعلم بالصواب.


الصفحة التالية
Icon