يخبر تعالى عن الجن حين بعث الله رسوله محمداً ﷺ وأنزل عليه القرآن، وكان من حفظه له أن السماء ملئت حرساً شديداً، وحفظت من سائر أرجائها، وطردت الشياطين عن مقاعدها لئلا يسترقون شيئاً من القرآن، وهذا من لطف الله تعالى بخلقه، ورحمته بعباده، وحفظه لكتابه العزيز، ولهذا قال الجن :﴿ وَأَنَّا لَمَسْنَا السمآء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآن يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً ﴾ أي من يروم أن يسترق السمع اليوم، يجد له شهاباً مرصداً له، لا يتخطاه ولا يتعداه بل يمحقه ويهلكه، ﴿ وَأَنَّا لاَ ندري أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأرض أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً ﴾ أي ما ندري هذا الأمر الذي قد حدث في السماء، لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً، وهذا من أدبهم في العبارة حيث أسندوا الشر إلى غير فاعل، والخير أضافوه إلى الله عزَّ وجلَّ، وقد ورد في الصحيح :« والشر ليس إليك » وقد كانت الكواكب يرمى بها قبل ذلك، وهذا هو السبب الذي حملهم على تطلب السبب في ذلك، فأخذوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها، فوجدوا رسول الله ﷺ يقرأ بأصحابه في الصلاة، فعرفوا أن هذا هو الذي حفظت من أجله السماء، فآمن من آمن منهم، وتمرد في طغيانه من بقي، كما تقدم حديث ابن عباس عند قوله في سورة الأحقاف :﴿ وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الجن يَسْتَمِعُونَ القرآن ﴾ [ الأحقاف : ٢٩ ] الآية. ولا شك أنه لما حدث هذا الأمر وهو كثرة الشهب في السماء والرمي بها، هال ذلك الإنس والجن وانزعجوا له، وظنوا أن ذلك لخراب العالم، فأتوا إبليس فحدَّثوه بالذي كان من أمرهم فقال : ائتوني من كل أرض بقبضة من تراب أشمها، فأتوه، فشم فقال : صاحبكم بمكة فبعث سبعة نفر من جن نصيبين فقدموا فوجدوا نبي الله ﷺ قائماً يصلي في المسجد الحرام، يقرأ القرآن، فدنوا منه حرصاً على القرآن حتى كادت كلاكلهم تصيبه، ثم أسلموا فأنزل الله تعالى على رسوله ﷺ.