قال قتادة في قوله تعالى :﴿ وَأَنَّ المساجد لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ الله أَحَداً ﴾ قال : كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا بالله، فأمر الله نبيه ﷺ أن يوحّده وحده، وقال ابن عباس : لم يكن يوم نزلت هذه الآية في الأرض مسجد إلاّ المسجد الحرام، ومسجد إيليا بيت المقدس، وروى ابن جرير، عن سعيد بن جبير قال، قالت الجن لنبي الله ﷺ : كيف لنا أن نأتي المسجد ونحن ناؤون؟ أي بعيدون عنك، وكيف نشهد الصلاة ونحن ناؤون عنك؟ فنزلت :﴿ وَأَنَّ المساجد لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ الله أَحَداً ﴾. وقال عكرمة : نزلت في المساجد كلها، وقوله تعالى :﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ الله يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً ﴾ قال ابن عباس يقول : لما سمعوا النبي ﷺ يتلو القرآن، كادوا يركبونه من الحرص لمّا يتلو القرآن، ودنوا منه فلم يعلم بهم حتى أتاه الرسول فجعل يقرئه :﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ استمع نَفَرٌ مِّنَ الجن ﴾ [ الجن : ١ ] يستمعون القرآن، وقال الحسن : لما قام رسول الله ﷺ يقول : لا إله إلا الله ويدعو الناس إلى ربهم كادت العرب تلبد عليه جميعاً، وقال قتادة : تلبّدت الإنس والجن على هذا الأمر ليطفئوه، فأبى الله إلاّ أن ينصره ويمضيه ويظهره على من ناوأه، وهو الأظهر لقوله بعده :﴿ قُلْ إِنَّمَآ أَدْعُو رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً ﴾ أي قال لهم الرسول لما آذوه وخالفوه وكذبوه، وتظاهروا عليه ليبطلوا ما جاء به من الحق واجتمعوا على عداوته ﴿ قُلْ إِنَّمَآ أَدْعُو رَبِّي ﴾ أي إنما أعبد ربي وحده لا شريك له وأستجير به وأتوكل عليه ﴿ وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً ﴾.
وقوله :﴿ قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً ﴾ أي إنما أنا عبد من عباد الله، ليس إليّ من الأمر شيء في هدايتكم ولا غوايتكم، بل المرجع في ذلك كله إلى الله عزَّ وجلَّ، ثم أخبر عن نفسه أيضاً أنه لا يجيره من الله أحد، أي لو عصيته، فإنه لا يقدر أحد على إنقاذي من عذابه ﴿ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً ﴾ قال مجاهد : لا ملجأ، وقال قتادة : أي لا نصير ولا ملجأ، وفي رواية : لا ولي ولا مئل، وقوله تعالى :﴿ إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ الله وَرِسَالاَتِهِ ﴾ مستثنى من قوله :﴿ قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً ﴾ ويحتمل أن يكون استثناء من قوله :﴿ لَن يُجِيرَنِي مِنَ الله أَحَدٌ ﴾ اي لا يجيرني منه ويخلصني إلاّ إبلاغي الرسالة التي أوجب أداءها عليّ، كما قال تعالى :﴿ ياأيها الرسول بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ﴾ [ المائدة : ٦٧ ]، وقوله تعالى :﴿ وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ﴾ أي أنا رسول الله أبلغكم رسالة الله فمن يعص بعد ذلك فله جزاء ﴿ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ﴾ أي لا محيد لهم عنها ولا خروج لهم منها، وقوله تعالى :﴿ حتى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً ﴾ أي حتى إذا رأى هؤلاء المشركون ما يدعون يوم القيامة، فسيعلمون يومئذٍ ﴿ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً ﴾ هم أم المؤمنون الموحدون لله تعالى، أي بل المشركين لا ناصر لهم بالكلية، وهم أقل عدداً من جنود الله عزَّ وجلَّ.