يقول تعالى آمراً رسوله ﷺ أن يقول للناس : إنه لا علم له بوقت الساعة، ولا يدري أقريب وقتها أم بعيد ﴿ قُلْ إِنْ أدري أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ ربي أَمَداً ﴾ أي مدة طويلة، ﴿ عَالِمُ الغيب فَلاَ يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارتضى مِن رَّسُولٍ ﴾ هذه كقوله تعالى :﴿ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ ﴾ [ البقرة : ٢٥٥ ] وهذا يعم الرسول الملكي والبشري، ثم قال تعالى :﴿ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ﴾ أي يخصه بمزيد معقبات من الملائكة يحفظونه من أمر الله، ويساوقونه على ما معه من وحي الله، ولهذا قال :﴿ لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وأحصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً ﴾، وقد اختلف المفسرون في الضمير في قوله ﴿ عَدَداً ﴾ إلى من يعود؟ فقيل : إنه عائد إلى النبي ﷺ، روى ابن جرير، عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ﴾ قال : أربعة حفظة من الملائكة مع جبريل ﴿ لِّيَعْلَمَ ﴾ محمد ﷺ ﴿ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وأحصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً ﴾، وقال قتادة :﴿ لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ ﴾ قال : ليعلم نبي الله أن الرسل قد بلغت عن الله، وأن الملائكة حفظتها ودفعت عنها، وقيل المراد : ليعلم أهل الشرك أن قد أبلغوا رسالات ربهم، قال مجاهد : ليعلم من كذب الرسل أن قد أبلغوا رسالات ربهم، وفي هذا نظر، ويحتمل أن يكون الضمير عائداً إلى الله عزَّ وجلَّ، ويكون المعنى في ذلك أنه يحفظ رسله بملائكته ليتمكنوا من أداء رسالاته، ويحفظ ما ينزله إليهم من الوحي ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم، ويكون ذلك كقوله تعالى :﴿ وَمَا جَعَلْنَا القبلة التي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرسول مِمَّن يَنقَلِبُ على عَقِبَيْهِ ﴾ [ البقرة : ١٤٣ ]، وكقوله تعالى :﴿ وَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين آمَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ المنافقين ﴾ [ العنكبوت : ١١ ] إلى أمثال ذلك، مع العلم بأنه تعالى يعلم الأشياء قبل كونها قطعاً لا محالة، ولهذا قال بعد ذلك :﴿ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وأحصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً ﴾.


الصفحة التالية
Icon