يقول تعالى آمراً رسوله ﷺ بالصبر، ما يقوله سفهاء قومه، وأن يهجرهم هجراً جميلاً، وهو الذي لا عتاب معه، ثم قال له متهدداً لكفار قومه :﴿ وَذَرْنِي والمكذبين أُوْلِي النعمة ﴾ أي والمكذبين المترفين أصحاب الأموال، ﴿ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً ﴾ أي رويداً، كما قال تعالى :﴿ نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إلى عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴾ [ لقمان : ٢٤ ]، ولهذا قال هاهنا :﴿ إِنَّ لَدَيْنَآ أَنكَالاً ﴾ وهي القيود، قال ابن عباس وعكرمة والسدي وغير واحد، و ﴿ جَحِيماً ﴾ وهي السعير المضطرمة، ﴿ وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ ﴾ قال ابن عباس : ينشب في الحلق فلا يدخل ولا يخرج، ﴿ وَعَذَاباً أَلِيماً * يَوْمَ تَرْجُفُ الأرض والجبال ﴾ أي تزلزل، ﴿ وَكَانَتِ الجبال كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ أي تصير ككثبان الرمال بعد ما كانت حجارة صماء، ثم إنها تنسف نسفاً فلا يبقى منها شيء إلا ذهب، حتى تصير الأرض ﴿ قَاعاً صَفْصَفاً * لاَّ ترى فِيهَا عِوَجاً ﴾ [ طه : ١٠٦-١٠٧ ] أي وادياً ﴿ ولا أَمْتاً ﴾ [ طه : ١٠٧ ] أي رابية، ومعناه لا شي ينخفض ولا شيء يرتفع، ثم قال تعالى مخاطباً لكفار قريش والمراد سائر الناس :﴿ إِنَّآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ ﴾ أي بأعمالكم، ﴿ كَمَآ أَرْسَلْنَآ إلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فعصى فِرْعَوْنُ الرسول فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً ﴾ قال ابن عباس ﴿ أَخْذاً وَبِيلاً ﴾ أي شديداً، فاحذروا أنتم أن تكذبوا هذا الرسول، فيصيبكم ما أصاب فرعون حيث أخذه الله أخذ عزيز مقتدر، كما قال تعالى :﴿ فَأَخَذَهُ الله نَكَالَ الآخرة والأولى ﴾ [ النازعات : ٢٥ ]، وقوله تعالى :﴿ فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الولدان شِيباً ﴾ أي فكيف تخافون أيها الناس يوماً يجعل الولدان شيباً إن كفرتم بالله ولم تصدقوا به؟ وكيف يحصل لكم أمان من يوم هذا الفزع العظيم إن كفرتم، ومعنى قوله :﴿ يَوْماً يَجْعَلُ الولدان شِيباً ﴾ أي من شدة أهواله وزلازله وبلابله، وذلك حين يقول الله تعالى لآدم : ابعث بعث النار، فيقول : من كم؟ فيقول من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة، وقوله تعالى :﴿ السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ ﴾ قال الحسن وقتادة : أي بسببه من شدته، وهوله، وقوله تعالى :﴿ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً ﴾ أي كان وعد هذا اليوم مفعولاً، أي واقعاً لا محالة وكائناً لا محيد عنه.