يقول تعالى مخبراً أن ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾ أي معتقلة بعملها يوم القيامة ﴿ إِلاَّ أَصْحَابَ اليمين ﴾ فإنهم ﴿ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ المجرمين ﴾ أي يسألون المجرمين وهم في الغرفات، وأولئك في الدركات قائلين لهم ﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ المصلين * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ المسكين ﴾ أي ما عبدنا ربنا ولا أحسنا إلى خلقه من جنسنا، ﴿ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخآئضين ﴾ أي نتكلم فيما لا نعلم، وقال قتادة : كلما غوى غاوٍ غوينا معه، ﴿ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدين * حتى أَتَانَا اليقين ﴾ يعني الموت كقوله تعالى :﴿ واعبد رَبَّكَ حتى يَأْتِيَكَ اليقين ﴾ [ الحجر : ٩٩ ]، وقال رسول الله ﷺ :« أما هو - يعني عثمان بن مظعون - فقد جاءه اليقين من ربه » قال تعالى :﴿ فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشافعين ﴾ أي من كان متصفاً بمثل هذه الصفات، فإنه لا تنفعه يوم القيامة شفاعة شافع فيه، لأن الشفاعة إنما تنجح إذا كان المحل قابلاً، فأما من وافى الله كافراً، فإن له النار لا محالة خالداً فيها. ثم قال تعالى :﴿ فَمَا لَهُمْ عَنِ التذكرة مُعْرِضِينَ ﴾ أي فما لهؤلاء الكفرة الذين قبلك عما تدعوهم إليه وتذكرهم به معرضين ﴿ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ * فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ ﴾ أي كأنهم في نفارهم عن الحق، وإعراضهم عنه، حمر من حمر الوحش إذا فرت ممن يريد صيدها من أسد، وقوله تعالى :﴿ بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امرىء مِّنْهُمْ أَن يؤتى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً ﴾ أي بل يريد كل واحد من هؤلاء المشركين أن ينزل عليه كتاب كما أنزل الله على النبي ﷺ، قال مجاهد وغيره كقوله تعالى :﴿ وَإِذَا جَآءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حتى نؤتى مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ الله الله ﴾ [ الأنعام : ١٢٤ ]، وفي رواية عن قتادة : يريدون أن يؤتوا براءة بغير عمل، فقوله تعالى :﴿ كَلاَّ بَل لاَّ يَخَافُونَ الآخرة ﴾ أي إنما أفسدهم عدم إيمانهم بها وتكذيبهم بوقوعها. ثم قال تعالى :﴿ كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ ﴾ أي حقاً إن القرآن تذكرة، ﴿ فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ * وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله ﴾ كقوله :﴿ وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله ﴾ [ الإنسان : ٣٠، التكوير : ٢٩ ]، وقوله تعالى :﴿ هُوَ أَهْلُ التقوى وَأَهْلُ المغفرة ﴾ أي هو أهل أن يخاف منه، وهو أن يغفر ذنب من تاب إليه وأناب. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :« قرأ رسول الله صلى عليه وسلم الآية ﴿ هُوَ أَهْلُ التقوى وَأَهْلُ المغفرة ﴾ وقال :» قال ربكم أنا أهل أن أتقى فلا يجعل معي إله، فمن اتقى أن يجعل معي إلهاً كان أهلاً أن أغفر له « ».


الصفحة التالية
Icon