﴿ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ﴾ [ إبراهيم : ٤٣ ]، والمقصود أن الأبصار تنبهر يوم القيامة وتخشع وتحار وتذل من شدة الأهوال، ومن عظم ما تشاهده يوم القيامة من الأمور.
وقوله تعالى :﴿ وَخَسَفَ القمر ﴾ أي ذهب ضوؤه، ﴿ وَجُمِعَ الشمس والقمر ﴾ قال مجاهد : كوّرا، كقوله ﴿ إِذَا الشمس كُوِّرَتْ ﴾ [ التكوير : ١ ]، وقوله تعالى :﴿ يَقُولُ الإنسان يَوْمَئِذٍ أَيْنَ المفر ﴾ أي إذا عاين ابن آدم هذه الأهوال يوم القيامة، حينئذٍ يريد أن يفر ويقول :﴿ أَيْنَ المفر ﴾ ؟ أي هل من ملجأ أو مؤئل، قال الله تعالى :﴿ كَلاَّ لاَ وَزَرَ * إلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المستقر ﴾ قال ابن مسعود وابن عباس : أي لا نجاة، وهذه الآية كقوله تعالى :﴿ مَا لَكُمْ مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّكِيرٍ ﴾ [ الشورى : ٤٧ ] أي ليس لكم مكان تتنكرون فيه، وكذا قال هاهنا :﴿ لاَ وَزَرَ ﴾ أي ليس لكم مكان تعتصمون فيه، ولهذا قال :﴿ إلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المستقر ﴾ أي المرجع والمصير، ثم قال تعالى :﴿ يُنَبَّأُ الإنسان يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ﴾ أي يخبر بجميع أعماله قديمها وحديثها، أولها وآخرها، صغيرها وكبيرها كما قال تعالى :﴿ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ﴾ [ الكهف : ٤٩ ]، وهكذا قال هاهنا :﴿ بَلِ الإنسان على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ ألقى مَعَاذِيرَهُ ﴾ أي هو شهيد على نفسه عالم بما فعله ولو اعتذر وأنكر، كما قال تعالى :﴿ اقرأ كتابك كفى بِنَفْسِكَ اليوم عَلَيْكَ حَسِيباً ﴾ [ الإسراء : ١٤ ] وقال ابن عباس ﴿ بَلِ الإنسان على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ﴾ يقول : سمعه وبصره ويديه ورجليه وجوارحه، وقال قتادة : شاهد على نفسه، وفي رواية قال : إذا شئت والله رأيته بصيراً بعيوب الناس وذنوبهم، غافلاً عن ذنوبه وكان يقال : إن في الإنجيل مكتوباً : يا ابن آدم تبصر القذاة في عين أخيك. وتترك الجذع عن عينك لا تبصره، وقال مجاهد :﴿ وَلَوْ ألقى مَعَاذِيرَهُ ﴾ ولو جادل عها فهو يصير عليها، وقال قتادة :﴿ وَلَوْ ألقى مَعَاذِيرَهُ ﴾ ولو اعتذر يومئذٍ بباطل لا يقبل منه، وقال السدي :﴿ وَلَوْ ألقى مَعَاذِيرَهُ ﴾ حجته، واختاره ابن جرير. وقال الضحّاك ولو ألقى ستورة. وأهل اليمن يسمون الستر المعذار، والصحيح قول مجاهد وأصحابه. كقوله تعالى :﴿ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾ [ الأنعام : ٢٣ ]، وكقوله تعالى :﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ على شَيْءٍ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الكاذبون ﴾ [ المجادلة : ١٨ ]، وقال ابن عباس :﴿ وَلَوْ ألقى مَعَاذِيرَهُ ﴾ هي الاعتذار ألم تسمع أنه قال :﴿ يَوْمَ لاَ يَنفَعُ الظالمين مَعْذِرَتُهُمْ ﴾ [ غافر : ٥٢ ].