﴿ كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ ﴾ [ المرسلات : ٤٦ ] وكقوله جلَّ جلاله :﴿ اعملوا مَا شِئْتُمْ ﴾ [ فصلت : ٤٠ ] إلى غير ذلك، عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس :﴿ أولى لَكَ فأولى * ثُمَّ أولى لَكَ فأولى ﴾ ؟ قال : قاله رسول الله ﷺ لأبي جهل، ثم أنزله الله عزَّ وجلَّ. وقال قتادة في قوله :﴿ أولى لَكَ فأولى * ثُمَّ أولى لَكَ فأولى ﴾ وعيد على أثر وعيد كما تسمعون، وزعموا أن عدو الله أبا جهل أخذ نبيّ الله ﷺ بمجامع ثيابه ثم قال :﴿ أولى لَكَ فأولى * ثُمَّ أولى لَكَ فأولى ﴾، فقال عدو الله أبو جهل : أتوعدني يا محمد؟ والله لا تستطيع أنت ولا ربك شيئاً، وإني لأعز من مشى بين جبليها.
وقوله تعالى :﴿ أَيَحْسَبُ الإنسان أَن يُتْرَكَ سُدًى ﴾ ؟ قال السدي : يعني لا يبعث، وقال مجاهد : يعني لا يؤمر ولا ينهى، والظاهر أن الآية تعم الحالين، أي ليس يترك في هذه الدنيا مهملاً، لا يؤمر ولا ينهى، ولا يترك في قبره سدى لا يبعث، بل هو مأمور منهي في الدنيا محشور إلى الله في الدار الآخرة، والمقصود هنا إثبات المعاد، ولهذا قال تعالى مستدلاً على الإعادة بالبداءة ﴿ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يمنى ﴾ أي أما كان الإنسان نطفة ضعيفة من ماء مهين ﴿ يمنى ﴾ أي يراق من الأصلاب في الأرحام ﴿ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فسوى ﴾ أي فصار علقة ثم مضغة ثم شكل ونفخ فيه الروح فصار خلقاً آخر سوياً، سليم الأعضاء ذكراً أو أُنثى بإذن الله وتقديره : ولهذا قال تعالى :﴿ فَجَعَلَ مِنْهُ الزوجين الذكر والأنثى ﴾، ثم قال تعالى :﴿ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ على أَن يُحْيِيَ الموتى ﴾ ؟ أي أما هذا الذي أنشأ هذا الخلق السوي من هذه النطفة الضعيفة، بقادر على أن يعيده كما بدأه؟ كقوله تعالى :﴿ وَهُوَ الذي يَبْدَؤُاْ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ﴾ [ الروم : ٢٧ ]، روى أبو داود عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ :« من قرأ منكم بالتين والزيتون فانتهى إلى آخرها ﴿ أَلَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الحاكمين ﴾ فليقل : بلى وأنا على ذلك من الشاهدين؛ ومن قرأ :﴿ لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ القيامة ﴾ فانتهى إلى قوله :﴿ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ على أَن يُحْيِيَ الموتى ﴾ فليقل بلى، ومن قرأ :﴿ والمرسلات ﴾ فبلغ ﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾ ؟ فليقل : آمنا بالله »، وعن قتادة قوله تعالى :﴿ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ على أَن يُحْيِيَ الموتى ﴾ ذكر لنا « أن رسول الله ﷺ كان إذا قرأها قال :» سبحانك وبلى « وكان ابن عباس إذا مر بهذه الآية :﴿ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ على أَن يُحْيِيَ الموتى ﴾ ؟ قال : سبحانك فبلى.