يخبر تعالى عما أرصده للكافرين من خلقه، من السلاسل والأغلال والسعير وهو اللهب، والحريق في نار جهنم كما قال تعالى :﴿ إِذِ الأغلال في أَعْنَاقِهِمْ والسلاسل يُسْحَبُونَ * فِي الحميم ثُمَّ فِي النار يُسْجَرُونَ ﴾ [ غافر : ٧١-٧٢ ]، ولما ذكر ما أعده لهؤلاء الأشقياء من السعير قال بعده :﴿ إِنَّ الأبرار يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً ﴾، وقد علم ما في الكافور من التبريد والرائحة الطيبة، مع ما يضاف إلى ذلك من اللذاذة في الجنة، قال الحسن : برد الكافور في طيب الزنجبيل، ولهذا قال :﴿ عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً ﴾ أي هذا الذي مزج لهؤلاء الأبرار من الكافور، هو عين يشرب بها المقربون من عباد الله صرفاً بلا مزج ويروون بها، قاب بها، قال بعضهم : هذا الشراب في طيبه كالكافور، وقال بعضهم : هو من عين كافور، وقوله تعالى :﴿ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً ﴾ أي يتصرفون فيها حيث شاءوا وأين شاءوا، من قصورهم ودورهم ومجالسهم ومحالهم، والتفجير هو الاتباع، كما قال تعالى :﴿ وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعاً ﴾ [ الإسراء : ٩٠ ]، وقال :﴿ وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً ﴾ [ الكهف : ٣٣ ] وقال مجاهد :﴿ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً ﴾ يقودونها حيث شاءوا، وقال الثوري : يصرفونها حيث شاءوا، وقوله تعالى :﴿ يُوفُونَ بالنذر وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ﴾ أي يتعبدون الله فيما أوجبه عليهم من فعل الطاعات وما أوجبوه على أنفسهم بطريق النذر، وفي الحديث :« من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه »، ويتركون المحرمات التي نهاهم عنها خيفة من سوء الحساب يوم المعاد وهو اليوم الذي يكون ﴿ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ﴾ أي منتشراً عاماً على الناس إلاّ من رحم الله، قال ابن عباس : فاشياً، وقال قتادة : استطار والله شر ذلك اليوم ملأ السماوات والأرض.
وقوله تعالى :﴿ وَيُطْعِمُونَ الطعام على حُبِّهِ ﴾ قيل : على حب الله تعالى لدلالة السياق عليه، مجاهد ومقاتل، واختاره ابن جرير كقوله تعالى :﴿ وَآتَى المال على حُبِّهِ ﴾ [ البقرة : ١٧٧ ]، وكقوله تعالى :﴿ لَن تَنَالُواْ البر حتى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [ آل عمران : ٩٢ ]، وروى البيهقي عن نافع قال : مرض ابن عمر فاشتهى عنباً أول ما جاء العنب، فأرسلت صفية يعني امرأة فانتشرت عنقوداً بدرهم، فاتبع الرسول سائل، فلما دخل به قال السائل : السائل، فقال ابن عمر : أعطوه إياه فأعطوه إياه، وفي الصحيح :« أفضل الصدقة أن تصدّق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر » أي في حال محبتك للمال وحرصك عليه وحاجتك إليه، ولهذا قال تعالى :﴿ وَيُطْعِمُونَ الطعام على حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ﴾ أما المسكين واليتيم فقد تقدم بيانهما وصفتهما، وأما الأسير فقال الحسن والضحّاك : الأسير من أهل القبلة، وقال ابن عباس :« كان أسراؤهم يومئذٍ مشركين، يشهد لهذا أن رسول الله ﷺ أمر أصحابه يوم بدر أن يكرموا الأسارى، فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الغداء »


الصفحة التالية
Icon