« أن الله تعالى يقول لآخر أهل النار خروجاً منها، وآخر أهل الجنة دخولاً إليها :» إن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها « »، وفي الحديث عن ابن عمر مرفوعاً :« إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر في ملكه مسيرة ألفي سنة ينظر إلى أقصاه كما ينظر إلى أدناه » فإذا كان هذا عطاؤه تعالى لأدنى من يكون في الجنة، فما ظنك بما هو أعلى منزلة وأحظى عنده تعالى؟.
وقوله جلَّ جلاله :﴿ عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ﴾ أي لباس أهل الجنة فيها الحرير ( السندس ) وهو رفيع الحرير كالقمصان ونحوها مما يلي أبدانهم، و ( الاستبرق ) وهو ما فيه بريق ولمعان وهو مما يلي الظاهر، كما هو المعهود في اللباس، ﴿ وحلوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ ﴾ وهذه صفة الأبرار، وأما المقربون فكما قال تعالى :﴿ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ﴾ [ الحج : ٢٣، فاطر : ٣٣ ] لما ذكر تعالى زينة الظاهر بالحرير والحلي قال بعده :﴿ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً ﴾ أي طهر بواطنهم من الحسد والحقد، والغل والأذى وسائر الأخلاق الرديئة، كما روينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال : إذا انتهى أهل الجنة إلى باب الجنة وجدوا هنالك عينين فكأنما ألهموا ذلك فشربوا من إحداهما، فأذهب الله ما في بطونهم من أذى، ثم اغتسلوا من الأُخرى، فجرت عليهم نضرة النعيم، فأخبر سبحانه وتعالى بحالهم الظاهر وجمالهم الباطن، وقوله تعالى :﴿ إِنَّ هذا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً ﴾ أي يقال لهم ذلك تكريماً لهم وأحساناً إليهم كما قال تعالى :﴿ كُلُواْ واشربوا هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي الأيام الخالية ﴾ [ الحاقة : ٢٤ ]، وكقوله تعالى :﴿ ونودوا أَن تِلْكُمُ الجنة أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [ الأعراف : ٤٣ ] وقوله تعالى :﴿ وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً ﴾ أي جزاكم الله تعالى على القليل بالكثير.


الصفحة التالية
Icon