يقول تعالى ممتناً على رسوله ﷺ بما أنزله عليه من القرآن العظيم، ﴿ فاصبر لِحُكْمِ رَبِّكَ ﴾ أي كما أكرمتك بما أنزلت عليك فاصبر على قضائه وقدره، واعلم أنه سيدبرك بحسن تدبيره، ﴿ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً ﴾ أي لا تطع الكافرين والمنافقين إن أرادوا صدك عما أنزل إليك، بل بلغ ما أنزل إليك من ربك وتوكل على الله فإن الله يعصمك من الناس، فالآثم هو الفاجر في أفعاله والكفور هو الكافر قلبه، ﴿ واذكر اسم رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾ أي أول النهار وآخره، ﴿ وَمِنَ الليل فاسجد لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً ﴾، كقوله تعالى :﴿ وَمِنَ الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ ﴾ [ الإسراء : ٧٩ ] الآية، وكقوله تعالى :﴿ ياأيها المزمل * قُمِ اليل إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [ المزمل : ١-٢ ]، ثم قال تعالى منكراً على الكفّار ومن أشبههم حب الدنيا والإقبال عليها، وترك الدار الآخرة وراء ظهورهم، ﴿ إِنَّ هؤلاء يُحِبُّونَ العاجلة وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً ﴾ يعني يوم القيامة، ثم قال تعالى :﴿ نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ ﴾، قال ابن عباس مجاهد : يعني خلقهم ﴿ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَآ أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً ﴾ أي وإذا شئنا بعثنا يوم القيامة، وبدلناهم فأعدناهم خلقاً جديداً، وهذا استدلال بالبداءة على الرجعة، وقال ابن جرير :﴿ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَآ أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً ﴾ أي وإذا شئنا أتينا بقوم آخرين غيرهم كقوله تعالى :﴿ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا الناس وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ الله على ذلك قَدِيراً ﴾ [ النساء : ١٣٣ ]، وكقوله تعالى :﴿ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى الله بِعَزِيزٍ ﴾ [ إبراهيم : ١٩-٢٠، فاطر : ١٦-١٧ ] ثم قال تعالى :﴿ إِنَّ هذه تَذْكِرَةٌ ﴾ يعني هذه السورة تذكرة، ﴿ فَمَن شَآءَ اتخذ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً ﴾ أي طريقاً ومسلكاً، أي من شاء اهتدى بالقرآن، ﴿ وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله إِنَّ الله ﴾ أي لا يقدر أحد أن يهدي نفسه ولا يدخل في الإيمان ولا يجر لنفسه نفعاً ﴿ إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ﴾ أي عليم بمن يستحق الهداية فييسرها له ويقيض له أسبابها، ومن يستحق الغواية فيصرفه عن الهدى، وله الحكمة البالغة، والحجة الدامغة، ولهذا قال تعالى :﴿ إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ﴾، ثم قال :﴿ يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ والظالمين أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴾ أي يهدي من يشاء ويضل من يشاء، فمن يهده فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.


الصفحة التالية
Icon