يخبر تعالى عن عظمته وجلاله وأنه رب السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما، وأنه الرحمن الذي شملت رحمته كل شيء، وقوله تعالى :﴿ لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً ﴾ أي لا يقدر أحد على ابتداء مخاطبته إلا بإذنه، كقوله تعالى :﴿ مَن ذَا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ﴾ [ البقرة : ٢٥٥ ]، وكقوله تعالى :﴿ يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ﴾ [ هود : ١٠٥ ]، وقوله تعالى :﴿ يَوْمَ يَقُومُ الروح والملائكة صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ ﴾ اختلف المفسرون في المراد بالروح هاهنا ما هو؟ على أقوال : أحدها : ما روي عن ابن عباس أنهم أرواح بني آدم. الثاني : هم بنو آدم، قاله الحسن وقتادة : الثالث : أنهم خلق من خلق الله على صور بني آدم وليسوا بملائكة ولا ببشر قاله ابن عباس ومجاهد. الرابع : هو جبريل، قال الشعبي وسعيد بن جبير والضحّاك. الخامس أنه ملك من الملائكة بقدر جميع المخلوقات، قال ابن عباس : هو ملك عظيم من أعظم الملائكة خلقاً، والأشبه عندي - والله أعلم - أنهم بنو آدم، وقوله تعالى :﴿ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن ﴾ كقوله :﴿ يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ﴾ [ هود : ١٠٥ ]، وكما ثبت في الصحيح :« ولا يتكلم يومئذٍ إلا الرسل »، وقوله تعالى :﴿ وَقَالَ صَوَاباً ﴾ أي حقاً، ومن الحق ﴿ لاَ إله إِلاَّ الله ﴾ [ الصافات : ٣٥ ]، كما قاله عكرمة : وقوله تعالى :﴿ ذَلِكَ اليوم الحق ﴾ أي الكائن لا محالة، ﴿ فَمَن شَآءَ اتخذ إلى رَبِّهِ مَآباً ﴾ أي مرجعاً وطريقاً يهتدي إليه، ومنهجاً يمر به عليه، وقوله تعالى :﴿ إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً ﴾ يعني يوم القيامة لتأكيد وقوعه صار قريباً، لأن كل ماهو آت قريب، ﴿ يَوْمَ يَنظُرُ المرء مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ﴾ أي يعرض عليه جميع أعماله خيرها وشرها. قديمها وحديثها كقوله تعالى :﴿ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً ﴾ [ الكهف : ٤٩ ]، وكقوله تعالى :﴿ يُنَبَّأُ الإنسان يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ﴾ [ القيامة : ١٣ ]، ﴿ وَيَقُولُ الكافر ياليتني كُنتُ تُرَاباً ﴾ أي يود الكافر يومئذٍ أنه كان في الدار الدنيا تراباً، ولم يكن خلق ولا خرج إلى الوجود، وذلك حين عاين عذاب الله، ونظر إلى أعماله الفاسدة قد سطرت عليه بأيدي الملائكة السفرة الكرام البررة، وقيل : إنما يود ذلك حين يحكم الله بين الحيوانات التي كانت في الدنيا، فيفصل بينها بحكمه العدل الذي لا يجوز، حتى نه ليقتص للشاة الجماء من القرناء، فإذا فرع من الحكم بينها قال لها : كوني تراباً فعند ذلك يقول الكافر ﴿ ياليتني كُنتُ تُرَاباً ﴾ أي كنت حيواناً فأرجع إلى التراب، وقد ورد معنى هذا في حديث الصور المشهور، وورد فيه آثار عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وغيرهما.


الصفحة التالية
Icon