يقول تعالى محتجاً على منكري البعث في إعادة الخلق بعد بدئه ﴿ أَأَنتُمْ ﴾ أيها الناس ﴿ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السمآء ﴾ يعني بل السماء أشد خلقاً منكم كما قال تعالى :﴿ لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس ﴾ [ غافر : ٥٧ ]، وقوله تعالى :﴿ بَنَاهَا ﴾ فسره بقوله :﴿ رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا ﴾ أي جعلها عالية البناء، بعيدة الفناء، متسوة الأرجاء، مكللة بالكواكب في الليلة الظلماء، وقوله تعالى :﴿ وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ﴾ أي جعل ليلها مظلماً أسود حالكاً، ونهارها مضيئاً مشرقاً واضحاً، قال ابن عباس : أغطش ليلها أظلمه، ﴿ وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ﴾ أي أنار نهارها، وقوله تعالى :﴿ والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾ فسّره بقوله تعالى :﴿ أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا ﴾ وقد تقدم في سورة « حم السجدة » أن الأرض خلقت قبل خلق السماء، ولكن إنما دحيت بعد خلق السماء بمعنى أنه أخرج ما كان فيها بالقوة إلى الفعل، عن ابن عباس ﴿ دَحَاهَا ﴾ ودحيها أن أخرج منها الماء والمرعى وشقق فيها الأنهار، وجعل فيها الجبال والرمال والسبل الآكام فذلك قوله :﴿ والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾، وقد تقدم تقرير ذلك هناك، وقوله تعالى :﴿ والجبال أَرْسَاهَا ﴾ أي قررها وأثبتها في أماكنها، وهو الحكيم العليم، الرؤوف بخلقه الرحيم. وقوله تعالى :﴿ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ ﴾ أي دحا الأرض فأتبع عيونها، وأظهر مكنونها، وأجرى أنهارها، وأنبت زروعها وأشجارها وثبت جبالها لتستقر بأهلها ويقر قرارها، كل ذلك متاعاً لخلقه ولما يحتاجون إليه من الأنعام، التي يأكلونها ويركبونها مدة احتياجهم إليها في هذه الدار، إلى أن ينتهي الأمد وينقضي الأجل.