﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ القوى * ذُو مِرَّةٍ فاستوى * وَهُوَ بالأفق الأعلى ﴾ [ النجم : ٥-٧ ]، والظاهر أن هذه السورة نزلت قبل ليلة الإسراء، لأنه لم يذكر فيها إلاّ هذه الرؤية وهي الأولى، وأما الثانية وهي المذكورة في قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أخرى * عِندَ سِدْرَةِ المنتهى * عِندَهَا جَنَّةُ المأوى * إِذْ يغشى السدرة مَا يغشى ﴾ [ النجم : ١٣-١٦ ] فتلك إنما ذكرت في سورة النجم، وقد نزلت بعد سورة الإسراء، وقوله تعالى :﴿ وَمَا هُوَ عَلَى الغيب بِضَنِينٍ ﴾ أي بمتهم، ومنهم من قرأ ذلك بالضاد، أي ببخيل، بل يبذله لكل أحد. قال سفيان بن عيينه :( ظنين ) و ( ضنين ) سواء، ت أي ما هو بفاجر، و ( الظنين ) المتهم، و ( الظنين ) البخيل، وقال قتادة : كان القرآن غيباً فأنزله الله على محمد، فما ضنّ به على الناس بل نشره وبلغه وبذله لكل من أراده، واختار ابن جرير قراءة الضاد. ( قلت ) : وكلاهما متواتر ومعناه صحيح كما تقدَّم، وقوله تعالى :﴿ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ ﴾ أي وما هذا القرآن بقول شيطان رجيم، أي لا يقدر على حمله ولا يريده ولا ينبغي له، كما قال تعالى :﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشياطين * وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السمع لَمَعْزُولُونَ ﴾ [ الشعراء : ٢١٠-٢١٢ ]. « وقوله تعالى :﴿ فَأيْنَ تَذْهَبُونَ ﴾ ؟ فأين تذهب عقولكم في تكذيبكم بهذا القرآن، مع ظهوره ووضوحه وبيان كونه حقاً من عند الله عزَّ وجلَّ! كما قال الصديق رضي الله عنه لوفد بني حنيفة حين قدموا مسلمين، وأمرهم فتلوا عليه شيئاً من قرآن مسيلمة الكذّاب الذي هو في غاية الهذيان والركاكة فقال : ويحكم أين تذهب عقولكم؟ والله إن هذا الكلام لم يخرج من إل » أي من إله، وقال قتادة :﴿ فَأيْنَ تَذْهَبُونَ ﴾ أي عن كتاب الله وعن طاعته، وقوله تعالى :﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ﴾ أي هذا القرآن ذكر لجميع الناس يتذكرون به ويتعظون ﴿ لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ ﴾ أي لمن أراد الهداية فعليه بهذا القرآن فإنه مناجاة له وهداية، ولا هداية فيما سواه، ﴿ وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله رَبُّ العالمين ﴾ أي ليست المشيئة موكولة إليكم، بل ذلك كله تابع لمشيئة الله تعالى رب العالمين، قال سفيان الثوري : لما نزلت هذه الآية :﴿ لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ ﴾ قال أبو جهل : الأمر إلينا إن شئنا استقمنا، وإن شئنا لم نستقم، فأنزل الله تعالى :﴿ وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله رَبُّ العالمين ﴾.