، وسواء كانت العماد أبنية بنوها، أو أعمدة بيوتهم للبدو، أو سلاحهم يقاتلون به، أو طول الواحد منهم، فهم قبيلة وأمة من الأمم، وهم المذكورون في القرآن في غير ما موضع، المقرنون بثمود كما ههنا، والله أعلم. ومن زعم أن المراد بقوله :﴿ إِرَمَ ذَاتِ العماد ﴾ مدينة إما دمشق، أو اسكندرية أو غيرهما، فضعيف لأنه لا يتسق الكلام حينئذٍ، ثم المراد إنما هو الإخبار عن إهلاك القبيلة المسماة بعاد، وما أحل الله بهم من بأسه الذي لا يرد، لا أن المراد الإخبار عن مدينة أو إقليم، وقوله ابن جرير : يحتمل أن يكون المراد بقوله :﴿ إِرَمَ ذَاتِ العماد ﴾ قبيلة أو بلدة كانت عاد تسكنها فلذلك لم تصرف، فيه نظر، لأن المراد من السياق إما هو الإخبار عن القبيلة، ولهذا قال بعده :﴿ وَثَمُودَ الذين جَابُواْ الصخر بالواد ﴾ يعني يقطعون الصخر بالوادي، قال ابن عباس : ينحتونها ويخرقونها، يقال : اجتاب الثوب : إذا فتحه، وقال تعالى :﴿ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتاً فَارِهِينَ ﴾ [ الشعراء : ١٤٩ ]، وقال ابن إسحاق : كانوا عرباً وكان منزلهم بوادي القرى، وقد ذكرنا قصة عاد مستقصاة في سورة الأعراف بما أغنى عن إعادته. وقوله تعالى :﴿ وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوتاد ﴾ قال ابن عباس : الأوتاد الجنود الذين يشدون له أمره، ويقال : كان فرعون يوتد أيديهم وأرجلهم في أوتاد من حديد يعلقهم بها، وكذا قال مجاهد : كان يوتد الناس بالأوتاد، وقال السدي : كان يربط الرجل كل قائمة من قوائمه في وتد ثم يرسل عليه صخرة عظيمة فيشدخه، وقال ثابت البناني : قيل لفرعون ذي الأوتاد، لأنه ضرب لامرأته أربعة أوتاد، ثم جعل على ظهرها رحى عظيمة حتى ماتت، وقوله تعالى :﴿ الذين طَغَوْاْ فِي البلاد * فَأَكْثَرُواْ فِيهَا الفساد ﴾ أي تمردوا وعتوا وعاثوا في الأرض بالإفساد والأذية للناس، ﴿ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ﴾ أي أنزل عليهم رجزاً من السماء، وأحل بهم عقوبة لا يردها عن القوم المجرمين، وقوله تعالى :﴿ إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد ﴾ قال ابن عباس : يسمع ويرى يعني يرصد خلقه فيما يعملون، ويجازي كلاً بسعيه في الدنيا والأخرى، وسيعرض الخلائق كلهم عليه فيحكم فيهم بعدله ويقابل كلاً بما يستحقه وهو المنزه عن الظلم والجور.


الصفحة التالية
Icon