يخبر تعالى عما يقع يوم القيامة من الأهوال العظيمة فقال تعالى :﴿ كَلاَّ ﴾ أي حقاً ﴿ إِذَا دُكَّتِ الأرض دَكّاً دَكّاً ﴾ أي وطئت ومهدت وسويت الأرض والجبال، وقام الخلائق من قبورهم لربهم ﴿ وَجَآءَ رَبُّكَ ﴾ يعني لفصل القضاء بين خلقه، وذلك بعدما يستشفعون إليه بسيد ولد آدم على الإطلاق، محمد صلوات الله وسلامه عليه، فيجيء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء، والملائكة يجيئون بين يديه صفوفاً صفوفاً، وقوله تعالى :﴿ وجياء يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ﴾ روى الإمام مسلم في « صحيحه » : عن عبد الله بن مسعود قال رسول الله صل الله عليه وسلم :« يؤتى لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها »، وقوله تعالى :﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنسان ﴾ أي عمله موما كان أسفله في قديم دهره وحديثه، ﴿ وأنى لَهُ الذكرى ﴾ أي وكيف تنفعه الذكرى، ﴿ يَقُولُ ياليتني قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾ يعني يندم على ما كان سلف منه من المعاصي إن كان عاصياً، ويود لو كان ازداد من الطاهات إن كان طائعاً، كما قال الإمام أحمد بن حنبل عن جبير بن نفير عن محمد بن عمرة، وكان أصحاب رسول الله ﷺ قال : لو أن عبداً خرَّ على وجهه من يوم ولد إلى أن يموت في طاعة الله لحقره يوم القيامة، ولَوَدَّ أنه رد إلى الدنيا كيما يزداد من الأجر والثواب، وقال الله تعالى :﴿ فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ ﴾ أي ليس أحد أشد عذابا من تعذب الله من عصاه، ﴿ وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ﴾ أي وليس أحد أشد قبضاً ووثقاً من الزبانية لمن كفر بربهم عزَّ وجلَّ، وهذا في حق المجرمين من الخلائق والظالمين، فأما النفس الزكية المطمئنة وهي الساكنة الثابتة الدائرة مع الحق، فيقال لها :﴿ ياأيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى رَبِّكِ ﴾ أي إلى جواره وثوابه وما أعد لعباده في جنته ﴿ رَاضِيَةً ﴾ أي في نفسها، ﴿ مَّرْضِيَّةً ﴾ أي قد رضيت عن الله، ورضي الله عها وأرضاها، ﴿ فادخلي فِي عِبَادِي ﴾ أي في جملتهم، ﴿ وادخلي جَنَّتِي ﴾ وهذا يقال لها عند الاحتضار، وفي يوم القيامة أيضا، كما ِأن الملائكة يبشرون المؤمن عند احتضاره وعند قيامه من قبره فكذلك هاهنا، ثم اختلف المفسرون فيمن نزلت هذه الآية، فروي أنها نزلت في عثمان بن عفّان، وقيل : إنها نزلت في حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، وقال ابن عباس في قوله تعالى :﴿ ياأيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً ﴾ قال :« نزلت وأبو بكر جالس فقال : يا رسول الله ما أحسن هذا؟ فقال :» أما إنه سيقال لك هذا « » وروى الحافظ ابن عساكر، عن أمامة أن رسول الله ﷺ قال لرجل :« قل : اللهم إني أسألك نفساً بك مطمئنة، تؤمن بلقائك، وترضى بقضائك، وتقنع بعطائك ».


الصفحة التالية
Icon