يخبر تعالى عن الإنسان، أنه ذوأشر وبطر وطغيان، إذا رأة نفسه قد استغنى وكثر ماله، ثم تهدده وتوعده ووعظه فقال :﴿ إِنَّ إلى رَبِّكَ الرجعى ﴾ أي إلى الله المصير والمرجع، وسيحاسبك على مالك من أين جمعته وفيم صرفته، عن عبد الله بن مسعود قال : منهومان لا يشبعان : صاحب العلم وصاحب الدنيا، ولا يستويان، فأما صاحب العلم فيزداد رضى الرحمن، وأما صاحب الدنيا فيتمادى في الطغيان، قال، ثم قرأ عبد الله :﴿ إِنَّ الإنسان ليطغى * أَن رَّآهُ استغنى ﴾، وقال الآخر :﴿ إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء ﴾ [ فاطر : ٢٨ ]، وقد روى هذا مرفوعاً إلى رسول الله ﷺ :« منهومان لا يشبعان : طالب علم، وطالب الدنيا »، ثم قال تعالى :﴿ أَرَأَيْتَ الذي ينهى * عَبْداً إِذَا صلى ﴾ نزلت في ( أبي جهل ) لعنه الله، توعد النبي ﷺ على الصلاة عند البيت، فوعظه تعالى بالتي هي أحسن أولاً. فقال :﴿ أَرَأَيْتَ إِن كَانَ على الهدى ﴾ أي فما ظنك إن كان هذا الذي تنهاه على الطريق المستقيمة في فعله ﴿ أَوْ أَمَرَ بالتقوى ﴾ بقوله وأنت تزجره وتتوعده على صلاته؟ ولهذا قال :﴿ أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ الله يرى ﴾ ؟ أي أما علم هذا الناهي لهذا المتهدي أن الله يراه ويسمع كلامه، وسيجازيه على فعله أتم الجزاء، ثم قال تعالى متوعداً ومتهدداً ﴿ كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ ﴾ أي لئن لم يرجع عما هو فيه من الشقاق والعناد ﴿ لَنَسْفَعاً بالناصية ﴾ أي لنسمنّها سواداً يوم القيامة، ثم قال :﴿ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ﴾ يعني ناصية ( أبي جهل ) كاذبة في مقالها، خاطئة في أفعالها، ﴿ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ ﴾ أي قومه وعشيرته أي ليدعهم يستنصر بهم، ﴿ سَنَدْعُ الزبانية ﴾ وهم ملائكة العذاب حتى يعلم من يغلب، أحزبنا أو حزبه؟ روى البخاري عن ابن عباس قال، قال أبو جهل :« لئن رأيت محمداً يصلي عند الكعبة لأطأن على عنقه، فبلغ النبي ﷺ فقال :» لئن فعل لأخذته الملائكة « » عن ابن عباس قال :« كان رسول الله ﷺ يصلي عند المقام. فمّر به أبو جهل بن هشام. فقال : يا محمد ألم أنهك عن هذا؟ وتوعّده فأغلظ له رسول الله ﷺ وانتهره. فقال : يا محمد بأي شيء تهددني؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادي نادياً، فأنزل الله :﴿ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزبانية ﴾ وقال ابن عباس : لو دعا ناديه لأخذته ملائكة العذاب من ساعته » وروى ابن جرير : عن أبي هريرة قال؛ « قال أبو جهل : هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قالوا : نعم، قال، فقال : واللات والعزى لئن رأتيه يصلي كذلك لأطأن على رقبته، ولأعفرن وجهه في التراب، فأتى رسول الله ﷺ وهو يصلي ليطأ على رقبته، قال : فما فجأهم منه إلاّ وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه، قال : فقيل له مالك؟ فقال : إن بيني وبينه خندقاً من نار وهولاً وأجنحة! قال، فقال رسول الله ﷺ :» لو دنا من لاختطفته الملائكة عضواً عضواً «، قال : وأنزل الله :﴿ كَلاَّ إِنَّ الإنسان ليطغى ﴾ »