القارعة من أسماء يوم القيامة، كالحاقة والطامة والصاخة والغاشية وغير ذلك. ثم قال تعالى معظماً أمرها ومهولاً لشأنها ﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا القارعة ﴾ ؟ ثم فسر ذلك بقوله :﴿ يَوْمَ يَكُونُ الناس كالفراش المبثوث ﴾ أي في انتشارهم وتفرقهم وذهابهم ومجيئهم، من حيرتهم مما هم فيه كأنهم فراش مبثوث، كما قال تعالى :﴿ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ ﴾ [ القمر : ٧ ] وقوله تعالى :﴿ وَتَكُونُ الجبال كالعهن المنفوش ﴾ يعني صارت كأنها الصوف المنفوش الذي قد شرع في الذهاب والتمزق، وقال مجاهد :﴿ العهن ﴾ الصوف، ثم أخبر تعالى عما يؤول إليه عمل العاملين، وما يصيرون إليه من الكرامة والإهانة بحسب أعمالهم، فقال :﴿ فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ﴾ أي رجحت حسناته على سيئاته، ﴿ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ ﴾ يعني في الجنة، ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ﴾ أي رجحت سيئاته على حسناته، ﴿ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ﴾ قيل : معناه فهو ساقط هاو بأم رأسه في نار جهنم، وعبّر عنه بأمه يعني ( دماغه )، قال قتادة : يهوي في النار على رأسه، وقيل : معاه فأمه التي يرجع إليها ويصير في المعاد إليها ( هاوية ) وهي أسم من أسماء النار، قال ابن جرير : وإنما قيل للهاوية أمه لأنه لا مأوى له غيرها، وقال ابن زيد : الهاوية النار هي أمه ومأواه التي يرجع إليها ويأوي إليها، وقرأ :﴿ وَمَأْوَاهُمُ النار ﴾ [ آل عمران : ١٥١، النور : ٥٧ ]. وروي عن قتادة أنه قال : هي النار وهي مأواهم، ولهذا قال تعالى مفسراً للهاوية :﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ ﴾، روى ابن جرير عن الأشعث بن عبد الله الأعمى قال : إذا مات المؤمن ذهب بروحه إلى أرواح المؤمنين، فيقولون : روّحوا أخاكم، فإنه كان في غم الدنيا، قال : ويسألونه ما فعل فلان؟ فيقول : مات أو ما جاءكم فيقولون : ذهب به إلى أمه الهاوية، وقوله تعالى :﴿ نَارٌ حَامِيَةٌ ﴾ أي حارة شديدة الحر، قوية اللهب والسعير، عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال :« » نار بني آدم التي توقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم «، قالوا : يا رسول الله إن كانت لكافية؟ فقال :» إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً « » وفي رواية :« كلهن مثل حرها » وروى الإمام أحمد، عن أبي هريرة عن النبي ﷺ :« إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم، وضربت بالبحر مرتين، ولولا ذلك ما جعل الله فيها منفعة لأحد »، وروى الترمذي وابن ماجة، عن أبي هريرة قال، قال رسول الله ﷺ :« أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت فهي سوداء مظلمة » وثبت في الصحيحين أن رسول الله ﷺ قال :« اشتكت النار إلى ربها فقالت : يا رب أكل بعضي بعضاً فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون في الشتاء من بردها، وأشد ما تجدون في الصيف من حرها » وفي الصحيحين :« إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم ».