« من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة فلا نسك له » الحديث. قال ابن جرير : والصواب قول من قال : إن معنى ذلك فاجعل صلاتك كلها لربك خالصاً، دون ما سواه من الأنداد والآلهة، وكذلك نحرك أجعله له دون الأوثان، شكراً له على ما أعطاك من الكرامة والخير الذي لا كفاء له وخصك به، وهذا الذي قاله في غاية الحسن، وقوله تعالى :﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبتر ﴾ أي إن مبغضك يا محمد، ومبغض ما جئت به من الهدى والحق، والبرهان الساطع والنور المبين ﴿ هُوَ الأبتر ﴾ الأقل والأذل المنقطع ذكره، قال ابن عباس ومجاهد : نزلت في العاص بن وائل، وقال يزيد بن رومان : قال، كان العاص بن وائل إذا ذكر سول الله ﷺ يقول : دعه فإنه رجل أبتر لا عقب له، فإذا هلك انقطع ذكره، فأنزل الله هذه السورة، وقيل : نزلت في عقبة بن أبي معيط، وقال عطاء : نزل في ( أبي لهب ) وذلك حين مات ابن لرسول الله ﷺ، فذهب أبو لهب إلى المشركين، فقال : بتر محمد الليلة فأنز الله في ذلك :﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبتر ﴾، وعن ابن عباس : نزلت في ( أبي جهل ) وعنه ﴿ إِنَّ شَانِئَكَ ﴾ يعني عدوك، وهذا يعم جميع من تصف بذلك ممن ذكر وغيرهم، وقال عكرمة : الأبتر الفرد، وقال السدي : كانوا إذا مات ذكور الرجل، قالوا : بتر، فلما مات أبناء رسول الله ﷺ، قالوا : بتر محمد، فأنزل الله :﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبتر ﴾، وهذا يرجع إلى ما قلناه من أن الأبتر الذي إذا مات انقطع ذكره. فتوهموا لجهلهم أنه إذا مات بنوه انقطع ذكره، وحاشا وكلا، بل قد أبقى الله ذكره على رؤوس الأشهاد، وأوجب شرعه على رقاب العباد، مستمراً على دوام الآباد، إلى يوم المحشر والمعاد، صلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم التناد.


الصفحة التالية
Icon