وقوله تعالى :﴿ سيصلى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ ﴾ أي ذات شرر ولهب وإحراق شديد، ﴿ وامرأته حَمَّالَةَ الحطب ﴾ وكانت زوجته من سادات نساء قريش، وهي ( أم جميل ) واسمها ( أروى بن حرب بن أمية ) وهي أخت أبي سفيان، وكانت عوناً لزوجها على كفره وجحوده وعناده، فلهذا تكون يوم القيامة عوناً عليه في عذابه في نار جهنم، ولهذا قال تعالى :﴿ وامرأته حَمَّالَةَ الحطب * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ ﴾ يعني تحمل الحطب فتلقي على زوجها ليزداد على ما هو فيه، مهيأة لذلك مستعدة له، ﴿ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ ﴾ قال مجاهد : من مسد النار، وعن مجاهد وعكرمة، ﴿ حَمَّالَةَ الحطب ﴾ كانت تمشي بالنميمة. وقال ابن عباس والضحّاك : كانت تضع الشوك في طريق رسول الله ﷺ، وقال سعيد بن المسيب : كانت لها قلادة فاخرة، فقالت : لأنفقنها في عداوة محمد، فأعقبها الله منها جبلاً في جيدها من مسد النار، والمسد الليف، وقيل : هو قلادة من نار طولها سبعون ذراعاًَ، قال الجوهري : المسد الليف، والمسد أيضاً حبل من ليف أو خوص، وقال مجاهد :﴿ حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ ﴾ أي طوق من حديد، أخرج ابن أبي حاتم عن أسماء بنت أبي بكر قالت : لمّا نزلت :﴿ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ أقبلت العوراء ( أم جميل ) بن حرب ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول :
مذمّماً أبيْنا ودينه قليْنا وأمره عصينا... ورسول الله ﷺ جالس في المسجد ومعه أبو بكر، فلما رآها قال : يا رسول الله قد أقبلتْ وأنا أخاف عليك أن تراك، فقال رسول الله ﷺ :« إنها لن تراني »، وقرأ قرآناً اعتصم به، كما قال تعالى :﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ القرآن جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة حِجَاباً مَّسْتُوراً ﴾، فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر، ولم تر رسول الله ﷺ، فقالت : يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني، قال : لا ورب هذا البيت ما هجاك، فولّت وهي تقول : قد علمت قريش أني ابنة سيدها، قال : فعثرت أم جميع في مرطها وهي تطوف بالبيت، فقالت : تعس مذمم. وقد قال بعض أهل العلم في قوله تعالى :﴿ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ ﴾ أي في عنقها حبل من نار جهنم ترفع به إلى سفيرها، ثم ترمى إلى أسفلها، ثم لا تزال كذلك دائماً.
قال العلماء : وفي هذه السورة معجزة ظاهرة ودليل واضح على النبوّة، فإنه منذ نزل قوله تعالى :﴿ سيصلى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وامرأته حَمَّالَةَ الحطب * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ ﴾ فأخبر عنهما بالشقاء وعدم الإيمان لم يقيض لهما أن يؤمنا ولا واحد منهما لا باطناً ولا ظاهراً، لا سراً ولا علناً، فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة، على النبوّة الظاهرة.