ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلاً واحداً. وذلك قوله تعالى :﴿ وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ التقيتم في أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ في أَعْيُنِهِمْ ﴾ [ الأنفال : ٤٤ ] الآية. وقال أبو إسحاق عن عبد الله بن مسعود : لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جانبي : تراهم سبعين! قال : أراهم مائة، قال : فأسرنا رجلاً منهم فقلنا : كم كنتم؟ قال : ألفاً، فعندما عاين كل من الفريقين الآخر رأى المسلمون المشركين مثليهم، أي أكثر منهم بالضعف ليتوكلوا ويتوجهوا، ويطلبوا الإعانة من ربهم عزّ وجلّ، ورأى المشركون المؤمنين كذلك ليحصل لهم الرعب والخوف والجزع والهلع. ثم لما حصل التصاف والتقى الفريقان قلّل الله هؤلاء في أعين هؤلاء، وهؤلاء في أعين هؤلاء ليقدم كل منهما على الآخر :﴿ لِيَقْضِيَ الله أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً ﴾ [ الأنفال : ٤٤ ] أي ليفرق بين الحق والباطل فيظهر كلمة الإيمان على الكفر والطغيان، ويعزّ المؤمنين ويذل الكافرين، كما قال تعالى :﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ الله بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾ [ آل عمران : ١٢٣ ]، وقال هاهنا :﴿ والله يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ إِنَّ فِي ذلك لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأبصار ﴾ أي : إن في ذلك لعبرة لمن له بصيرة وفهم ليهتدي به إلى حكم الله وأفعاله، وقدره الجاري بنصر عباده المؤمنين في هذه الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.


الصفحة التالية
Icon