يخبر تعالى عما زين للناس في هذه الحياة الدنيا من أنواع الملاذ من النساء والبنين، فبدأ بالنساء لأن الفتنة بهن أشد، كما ثبت في الصحيح أنه ﷺ قال :« ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء » فأما إذا كان القصد بهن الإعفاف وكثرة الأولاد، فهذا مطلوب مرغوب فيه مندوب إليه، كما وردت الأحاديث بالترغيب في التزويج والاستكثار منه، وأن خير هذه الأمة من كان أكثرها نساء، وقوله ﷺ :« الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة، إن نظر إليها سرَّته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله » وقوله في الحديث الآخر :« حبّب إلي النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة ».
وحبُّ البنين تارة يكون للتفاخر والزينة فهو داخل في هذا، وتارة يكون لتكثير النسل وتكثير أمة محمد ﷺ ممن يعبد الله وحده لا شريك له، فهذا محمود ممدوح كما ثبت في الحديث :« تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة » وحب المال كذلك، تارة يكون للفخر والخيلاء والتكبر على الضعفاء والتجبر على الفقراء فهذا مذموم، وتارة يكون للنفقة في القربات وصلة الأرحام والقرابات ووجوه البر والطاعات فهذا ممدوح محمود شرعاً، وقد اختلف المفسرون في مقدار القنطار على أقول، وحاصلها : أنه المال الجزيل كما قاله الضحاك وغيره، وقيل : ألف دينار، وقيل : ألف ومائتا دينار، وقيل : اثنا عشر ألفاً، وقيل : أربعون ألفاً، وقيل : ستون ألفاً، وقيل : غير ذلك.
وحب الخيل على ثلاثة أقسام : تارة يكون ربطها أصحابها معدة لسبيل الله متى احتاجوا إليها غزواً عليها، فهؤلاء يثابون وتارة تربط فخراً ونِواء لأهل الإسلام فهذه على صاحبها وزر. وتارة للتعفف واقتناء نسلها ولم ينس حق الله في رقابها فهذه لصاحبها ستر، كما سيأتي الحديث بذلك إن شاء الله تعالى عند قوله تعالى :﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا استطعتم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخيل ﴾ [ الأنفال : ٦٠ ] الآية، وأما المسوّمة : فعن ابن عباس رضي الله عنهما المسومة الراعية، والمطهمة الحسان، وقال مكحول : المسومة الغرة والتحجيل، وقيل : غير ذلك. وقوله تعالى :﴿ والأنعام ﴾ يعني الإبل والبقر والغنم، ﴿ والحرث ﴾ يعني الارض المتخذة للغراس والزراعة. وقال الإمام أحمد عن سويد بن هبيرة عن النبي ﷺ قال :« خير مال امرىء له مهرة مأمورة، أو سكة مأبورة » المأمورة الكثيرة النسل، والسكة النخل المصطف، والمأبورة الملقحة.
ثم قال تعالى :﴿ ذلك مَتَاعُ الحياة الدنيا ﴾ أي إنما هذا زهرة الحياة الدنيا وزينتها الفانية الزائلة، ﴿ والله عِنْدَهُ حُسْنُ المآب ﴾ أي حسن المرجع والثواب، قال عمر بن الخطاب : لما نزلت ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشهوات ﴾ قلت : الآن يا رب حين زينتها لنا، فنزلت :﴿ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذلكم لِلَّذِينَ اتقوا ﴾ الآية، ولهذا قال تعالى :﴿ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذلكم ﴾ أي قل : يا محمد للناس أؤخبركم بخير مما زين للناس في هذه الحياة الدنيا، من زهرتها ونعيمها الذي هو زائل لا محالة؟ ثم أخبر عن ذلك فقال :﴿ لِلَّذِينَ اتقوا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار ﴾ أي تنخرق بين جوانبها وأرجائها الأنهار من أنواع الأشربة من العسل واللبن والخمر والماء وغير ذلك، مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ أي ماكثين فيها أبد الآباد لا يبغون عنها حولاً، ﴿ وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ﴾ أي من الدنس والخبث والأذى والحيض والنفاس وغير ذلك مما يعتري نساء الدنيا، ﴿ وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله ﴾ أي يحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم بعده أبداً، ولهذا قال تعالى في الآية الأخرى التي في براءة


الصفحة التالية
Icon