شهد تعالى وكفى به شهيداً وهو أصدق الشاهدين وأعدلهم وأصدق القائلين ﴿ أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ ﴾ أي المنفرد بالإلهية لجميع الخلائق، وأن الجميع عبيده وخلقه وفقراء إليه، وهو الغني عما سواه كما قال تعالى :﴿ لكن الله يَشْهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ ﴾ [ النساء : ١٦٦ ] الآية، ثم قرن شهادة ملائكته وأولي العلم بشهادته فقال :﴿ شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ والملائكة وَأُوْلُواْ العلم ﴾، وهذه خصوصية عظيمة للعلماء في هذا المقام. ﴿ قَآئِمَاً بالقسط ﴾ منصوب على الحال وهو في جميع الأحوال كذلك. ﴿ لاَ إله إِلاَّ هُوَ ﴾ تأكيد لما سبق، ﴿ العزيز الحكيم ﴾ العزيز الذي لا يرام جنابه عظمة وكبرياء ﴿ الحكيم ﴾ في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره. عن الزبير بن العوام قال : سمعت النبي ﷺ وهو بعرفة يقرأ هذه الآية :﴿ شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ والملائكة وَأُوْلُواْ العلم قَآئِمَاً بالقسط لاَ إله إِلاَّ هُوَ العزيز الحكيم ﴾، ثم قال : وأنا على ذلك من الشاهدين يا رب.
وعن غالب القطان : قال : أتيت الكوفة في تجارة فنزلت قريباً من الأعمش، فلما كانت ليلة أردت أن أنحدر، قام فتهجد من الليل فمر بهذه الآية :﴿ شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ والملائكة وَأُوْلُواْ العلم قَآئِمَاً بالقسط لاَ إله إِلاَّ هُوَ العزيز الحكيم * إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإسلام ﴾. ثم قال الأعمش : وأنا أشهد بما شهد الله به وأستودع الله هذه الشهادة وهي لي عند الله وديعة ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإسلام ﴾ قالها مراراً. قلت : لقد سمع فيها شيئاً فغدوت إليه فودعته ثم قلت : يا أبا محمد إني سمعتك تردد هذه الآية، قال : أوما بلغك ما فيها؟ قلت : أنا عندك منذ شهر لم تحدثني! قال : والله لا أحدثك بها إلى سنة؛ فأقمت سنة فكنت على بابه، فلما مضت السنة، قلت : يا أبا محمد قد مضت السنة. قال : حدثني أبو وائل عن عبد الله قال : قال رسول الله ﷺ :« يجاء بصاحبها يوم القيامة، فيقول الله عزّ وجلّ : عبدي عهد إليّ، وأنا أحق من وفى بالعهد أدخلوا عبدي الجنة ».
وقوله تعالى :﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإسلام ﴾ إخبار منه تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام، وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين، حتى ختموا بمحمد ﷺ الذي سد جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد ﷺ، فمن لقي الله بعد بعثة محمد ﷺ بدين على غير شريعته فليس بمتقبل كما قال تعالى :﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ﴾ [ آل عمران : ٨٥ ] الآية، وقال في هذه الآية مخبراً بانحصار الدين المتقبل منه عنده في الإسلام :﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإسلام ﴾ ثم أخبر تعالى بأن الذين أوتوا الكتاب الأول إنما اختلفوا بعدما قامت عليه الحجة بإرسلا الرسل إليهم، وإنزال الكتب عليهم، فقال :﴿ وَمَا اختلف الذين أُوتُواْ الكتاب إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ العلم بَغْياً بَيْنَهُمْ ﴾ أي بغي بعضهم على بعض، فاختلفوا في الحق بتحاسدهم وتباغضهم وتدابرهم، فحمل بعضهم بغض البعض الآخر على مخالفته في جميع أقواله وأفعاله وإن كانت حقاً، ثم قال تعالى :﴿ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ الله ﴾ أي من جحد ما أنزل الله في كتابه ﴿ فَإِنَّ الله سَرِيعُ الحساب ﴾ أي فإن الله سيجازيه على ذلك ويحاسبه على تكذيبه ويعاقبه على مخالفته كتابه.


الصفحة التالية
Icon