يخبر تبارك وتعالى عباده أنه يعلم السرائر والضمائر والظواهر، وأنه لا يخفى عليه منهم خافية، بل علمه محيط بهم في سائر الأحوال والأزمان، والأيام واللحظات وجميع الأوقات، وجميع ما في الأرض والسماوات، لا يغيب عنه مثقال ذرة ولا أصغر من ذلك في جميع أقطار الأرض والبحار، والجبال، ﴿ والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ أي وقدرته نافذة في جميع ذلك. وهذا تنبيه منه لعباده على خوفه وخشيته، لئلا يرتكبوا ما نهى عنه وما يبغضه منهم، فإنه عالم بجميع أمورهم، وهو قادر على معاجلتهم بالعقوبة وإن أَنظَرَ من أنظر منهم، فإنه يمهل ثم يأخذ أخذ عزيز مقتدر، ولهذا قال بعد هذا :﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً ﴾ الآية، يعني يوم القيامة يحضر للعبد جميع أعماله من خير وشر كما قال تعالى :﴿ يُنَبَّأُ الإنسان يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ﴾ [ القيامة : ١٣ ] فما رأى من أعماله حسناً سره ذلك وأفرحه، وما رأى من قبيح ساءه وغصَّه، وودَّ لو أنه تبرأ منه وأن يكون بينهما أمد بعيد، كما يقول لشيطانه الذي كان مقرونا به في الدنيا، وهو الذي جرأه على فعل السوء :﴿ ياليت بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ المشرقين فَبِئْسَ القرين ﴾ [ الزخرف : ٣٨ ]، ثم قال تعالى مؤكداً ومهدداً ومتوعداً :﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ ﴾ أي يخوفكم عقابه، ثم قال : جلّ جلاله مرجياً لعباده لئلا ييأسوا من رحمته ويقنطوا من لطفه :﴿ والله رَؤُوفٌ بالعباد ﴾ قال الحسن البصري : من رأفته بهم حذّرهم نفسه وقال غيره : أي رحيم بخلقه يحب لهم أن يستقيموا على صراطه المستقيم ودينه القويم، وأن يتبعوا رسوله الكريم.