هذا لفظه، والمقصود أنه مدح ليحيى بأنه حصور ليس أنه لا يأتي النساء، بل معناه كما قاله هو وغيره : أنه معصوم من الفواحش والقاذورات، ولا يمنع ذلك من تزويجه بالنساء الحلال وغشيانهن وإيلادهن، بل قد يفهم وجود النسل له من دعاء زكريا المتقدم حيث قال :﴿ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ﴾ كأنه قال ولداً له ذرية ونسل وعقب، والله سبحانه وتعالى أعلم.
قوله تعالى :﴿ وَنَبِيّاً مِّنَ الصالحين ﴾، هذه بشارة ثانية بنبوة يحيى بعد البشارة بولادته، وهي أعلى من الأولى، كقوله لأم موسى :﴿ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المرسلين ﴾ [ القصص : ٧ ]. فلما تحقق زكريا عليه السلام هذه البشارة، أخذ يتعجب من وجود الولد منه بعد الكبر، ﴿ قَالَ رَبِّ أنى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي الكبر وامرأتي عَاقِرٌ قَالَ ﴾ : أي الملك، ﴿ كَذَلِكَ الله يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ ﴾ أي هكذا أمر الله عظيم لا يعجزه شيء ولا يتعاظمه أمر، ﴿ قَالَ رَبِّ اجعل لي آيَةً ﴾ أي علامة أستدل بها على وجود الولد مني، ﴿ قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ الناس ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً ﴾ أي إشارة لا تستطيع النطق مع أنك سوي صحيح، كما في قوله :﴿ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيّاً ﴾، ثم أمره بكثرة الذكر والتكبير والتسبيح في هذه الحا، فقال تعالى :﴿ واذكر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بالعشي والإبكار ﴾.


الصفحة التالية
Icon