وقال ابن وهب : إن ( مالكاً ) أبا أبي سعيد الخدري لما جرح النبي ﷺ يوم أحد مصَّ الجرج حتى أنقاه ولاح أبيض فقيل له : مجه، فقال : لا والله لا أمجه أبداً، ثم أدبر يقاتل، فقال النبي ﷺ :« من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا فاستشهد » وقد ثبت في الصحيحين عن سهل بن سعد أنه سئل عن جرح رسول الله ﷺ فقال : جرح وجه رسول الله ﷺ وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه ﷺ، فكانت فاطمة تغسل الدم وكان علي يسكب عليه الماء بالمجن، فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة من حصير فأحرقتها، حتى إذا صارت رماداً ألصقته بالجرح فاستمسك الدم.
وقوله تعالى :﴿ فَأَثَابَكُمْ غَمّاًً بِغَمٍّ ﴾ أي فجزاكم غماً على غم، كما تقول العرب : نزلت ببني فلان، نزلت على بني فلان، وقال ابن جرير : وكذا قوله :﴿ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النخل ﴾ [ طه : ٧١ ] أي على جذوع النخل. قال ابن عباس : الغم الأول بسبب الهزيمة وحين قيل قتل محمد ﷺ، والثاني حين علاهم المشركون فوق الجبل، وقال النبي ﷺ :« اللهم ليس لهم أن يعلونا »، وعن عبد الرحمن بن عوف : الغم الأول بسبب الهزيمة، والثاني حين قيل : قتل محمد ﷺ كان ذلك عندهم أشد وأعظم من الهزيمة. وقال السدي : الغم الأول بسبب ما فاتهم من الغنيمة والفتح، والثاني بإشراف العدو عليهم. وقال محمد بن إسحاق :﴿ فَأَثَابَكُمْ غَمّاًً بِغَمٍّ ﴾ أي كرباً بعد كرب من قتل من قتل من إخوانكم، وعلو عدوكم عليكم، وما وقع في أنفسكم من قتل نبيكم، فكان ذلك متتابعاً عليكم غماً بغم. وقال مجاهد وقتادة : الغم الأول سماعهم قتل محمد، والثاني ما أصابهم من القتل والجراح. وقوله تعالى :﴿ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ على مَا فَاتَكُمْ ﴾ أي على ما فاتكم من الغنيمة والظفر بعدوكم ﴿ وَلاَ مَآ أَصَابَكُمْ ﴾ من الجراح والقتل قاله ابن عباس والسدي ﴿ والله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ سبحانه وبحمده، لا إله إلا هو جل وعلا.


الصفحة التالية