وقوله تعالى :﴿ الذين قَالَ لَهُمُ الناس إِنَّ الناس قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فاخشوهم فَزَادَهُمْ إِيمَاناً ﴾ الآية، أي الذين توعدهم الناس بالجموع وخوفوهم بكثرة الأعداء فما اكترثوا لذلك، بل توكلوا على الله واستعانوا به، ﴿ وَقَالُواْ حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الوكيل ﴾، وقال البخاري، عن ابن عباس :﴿ حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الوكيل ﴾ قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد ﷺ حين قال لهم الناس ﴿ إِنَّ الناس قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فاخشوهم فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الوكيل ﴾ وفي رواية له : كان آخر قول إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار :﴿ حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الوكيل ﴾. وعن أبي رافع أن النبي ﷺ وجه علياً في نفر معه في طلب أبي سفيان فلقيهم أعرابي من خزاعة فقال : إن القوم قد جمعوا لكم فقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل فنزلت فيهم هذه الآية.
وفي الحديث :« إذا وقعتم في الأمر العظيم فقولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل » وقد قال الإمام أحمد، عن عوف ابن مالك أنه حدثهم، « أن النبي ﷺ قضى بين رجلين، فقال المقضي عليه لما أدبر : حسبي الله ونعم الوكيل، فقال النبي ﷺ :» ردوا عليّ الرجل « فقال :» ما قلت «؟، قال :» قلت حسبي الله ونعم الوكيل « فقال النبي ﷺ :» إن الله يلوم على العجز ولكن عليك بالكيس، فإذا غلبك أمر فقل : حسبي الله ونعم الوكيل « ».
قال تعالى :﴿ فانقلبوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ الله وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سواء ﴾ أي لما توكلوا على الله كفاهم ما أهمهم، ورد عنهم بأس من أراد كيدهم فرجعوا إلى بلدهم :﴿ بِنِعْمَةٍ مِّنَ الله وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سواء ﴾ مما أضمر لهم عدوهم، ﴿ واتبعوا رِضْوَانَ الله والله ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾. عن ابن عباس في قول الله :﴿ فانقلبوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ الله وَفَضْلٍ ﴾، قال ( النعمة ) أنهم سلموا، و ( الفضل ) أن عيراً مرت في أيام الموسم فاشتراها رسول الله ﷺ فربح فيها مالاً فقسمه بين أصحابه. وقال مجاهد في قوله الله تعالى :﴿ الذين قَالَ لَهُمُ الناس إِنَّ الناس قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فاخشوهم ﴾ قال هذا أبو سفيان قال لمحمد ﷺ موعدكم بدر حيث قتلتم أصحابنا، فقال محمد ﷺ :« عسى »، فانطلق رسول الله ﷺ لموعده حتى نزل بدراً فوافقوا السوق فيها فابتاعوا، فذلك قول الله عزّ وجلّ :﴿ فانقلبوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ الله وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سواء ﴾ الآية، قال : وهي غزوة بدر الصغرى.