تنبيه : قال ابن جرير : كتب أبو عبيدة إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعاً من الروم وما يتخوف منهم، فكتب إليه عمر : أما بعد، فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزلة شدة يجعل الله له بعدها فرجاً، وإنه لن يغلب عسر يسرين، وإن الله تعالى يقول :﴿ يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ اصبروا وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ واتقوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ وروى الحافظ ابن عساكر عن محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة قال : أملى عليَّ عبد الله بن المبارك هذه الأبيات بطرسوس وأنشدها إلى ( الفضيل بن عياض ) في سنة سبعين ومائة :

يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك في العبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب
أو كان يتعب خيله في باطل فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا رهج السنابك والغبار الأطيب
ولقد أتانا من مقال نبينا قول صحيح صادق لا يكذب
لا يستوي غبَّار خيل الله في أنف امرىء ودخان نار تلهب
هذا كتاب الله ينطق بيننا ليس الشهيد بميت لا يكذب
قال : فلقيت الفضيل بن عياض بكتابه في المسجد الحرام، فلما قرأه ذرفت عيناه وقال : صدق أبو عبد الرحمن ونصحني، ثم قال : أنت ممن يكتب الحديث؟ قال، قلت : نعم، قال : فاكتب هذا الحديث كراء حملك كتاب أبي عبد الرحمن إلينا، وأملى عليّ الفضيل بن عياض : حدثنا منصور بن المعتمر عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رجلاً قال :« يا رسول الله علِّمني عملاً أنال به ثواب المجاهدين في سبيل الله، فقال :» هل تستطيع أن تصلي فلا تفتر، وتصوم فلا تفطر؟ « فقال : يا رسول الله أنا أضعف من أن أستطيع ذلك، ثم قال النبي ﷺ :» فوالذي نفسي بيده لو طُوِّقت ذلك ما بلغت المجاهدين في سبيل الله، أوما علمت أن الفرس المجاهد ليستن في طوله فيكتب له بذلك الحسنات؟! « وقوله تعالى ﴿ واتقوا الله ﴾ أي في جميع أموركم وأحوالكم، كما قال النبي ﷺ لمعاذ حين بعثه إلى اليمن :» اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن «، ﴿ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ أي في الدنيا والآخرة.


الصفحة التالية
Icon