« اختر أربعاً أيتهن شئت وفارق الأخرى »، فعمدت إلى أقدمهن صحبة، عجوز عاقر معي منذ ستين سنة فطلقتها، فهذه كلها شواهد لحديث غيلان كما قاله البيهقي، وقوله :﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ أي إن خفتم من تعداد النساء أن لا تعدلوا بينهن كما قال تعالى :﴿ وَلَن تستطيعوا أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النسآء وَلَوْ حَرَصْتُمْ ﴾ [ النساء : ١٢٩ ] فمن خاف من ذلك فليقتصر على واحدة أو على الجواري السراري، فإنه لا يجب قسم بينهن، ولكن يستحب، فمن فعل فحسن ومن لا فلا حرج. وقوله :﴿ ذلك أدنى أَلاَّ تَعُولُواْ ﴾ قال بعضهم : ذلك أدنى أن لا تكثر عيالكم قاله زيد بن أسلم والشافعي وهو مأخوذ من قوله تعالى :﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً ﴾ [ التوبة : ٢٨ ] أي فقرأ ﴿ فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ ﴾ [ التوبة : ٢٨ ] وقال الشاعر :

فما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل؟
وتقول العرب : عال الرجل يعيل عيلة إذا افتقر، ولكن في هذا التفسير هاهنا نظر، فإنه كما يخشى كثرة العائلة من تعداد الحرائر كذلك يخشى من تعداد السراي أيضاً، والصحيح قول الجمهور :﴿ ذلك أدنى أَلاَّ تَعُولُواْ ﴾ أي لا تجوروا يقال : عال في الحكم إذا قسط وظلم وجار، وقال أبو طالب في قصيدته المشهورة :
بميزان قسط لا يخيس شعيرةً له شاهد من نفسه غير عائل
عن عائشة عن النبي ﷺ ﴿ ذلك أدنى أَلاَّ تَعُولُواْ ﴾ قال :« لا تجوروا »، روي مرفوعاً والصحيح عن عائشة أنه موقوف، وروي عن ابن عباس وعائشة ومجاهد أنهم قالوا : لا تميلوا.
وقوله تعالى :﴿ وَآتُواْ النسآء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ﴾ قال ابن عباس : النحلة المهر عن عائشة نحلة : فريضة، وقال ابن زيد : النحلة في كلام العرب الواجب، يقول : لا تنكحها إلا بشي واجب لها، وليس ينبغي لأحد بعد النبي ﷺ أن ينكح امرأة إلا بصداق واجب، ومضمون كلامهم أن الرجل يجب عليه دفع الصداق إلى المرأة حتما، وأن يكون طيب النفس بذلك، كما يمنح المنيحة ويعطي النحلة طيباً، كذلك يجب أن يعطي المرأة صداقها طيباً بذلك، فإن طابت هي له به بعد تسميته أو عن شيء منه فليأكله حلالاً طيباً، ولهذا قال :﴿ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً ﴾. وقال هشيم : كان الرجل إذا زوج بنته أخذ صداقها دونها فنهاهم الله عن ذلك ونزل :﴿ وَآتُواْ النسآء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ﴾.


الصفحة التالية
Icon