وقوله :﴿ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ اثنتين فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ﴾ قال بعض الناس : قوله « فوق » زائدة، وتقديره فإن كن نساء اثنتين كما في قوله :﴿ فاضربوا فَوْقَ الأعناق ﴾ [ الأنفال : ١٢ ] وهذا غير مسلَّم لا هنا ولا هناك، فإنه ليس في القرآن شيء زائد لا فائدة فيه. وهذا ممتنع، ثم قوله :﴿ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ﴾ لو كان المراد ما قالوه لقال فلهما ثلثا ما ترك : وإنما استفيد كون الثلثين للبنتين من حكم الأختين في الآية الأخيرة، فإنه تعالى حكم فيها للأختين بالثلثين. وإذا ورث الأختان الثلثين فلأن يرث البنتان الثلثين بالطريق الأولى، وقد تقدم في حديث جابر أن النبي ﷺ حكم لابنتي سعد بن الربيع بالثلثين فدل الكتاب والسنة على ذلك، وأيضاً فإنه قال :﴿ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النصف ﴾، فلو كان للبنتين النصف لنص عليه أيضاً لما حكم به للواحدة على انفرادها؛ دل على أن البنتين في حكم الثلاث والله أعلم. وقوله تعالى :﴿ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السدس ﴾ إلى آخره، الأبوان لهما في الإرث أحوال :( أحدها ) أن يجتمعا مع الأولاد فيفرض لكل واحد منهما السدس فإن لم يكن للميت إلا بنت واحدة، فرض لها النصف، وللأبوين لكل واحد منهما السدس؛ وأخذ الأب السدس الآخر بالتعصيب فيجمع له والحالة هذه بين الفرض والتعصيب ( الحال الثاني ) : أن ينفرد الأبوان بالميراث، فيفرض للأم الثلث والحالة هذه أخذ الأب الباقي بالتعصيب المحض؛ فيكون قد أخذ ضعفي ما حصل للأم وهو الثلثان، فلو كان معهما زوج أو زوجة ويأخذ الزوج النصف والزوجة الربع. ثم اختلف العلماء : ماذا تأخذ الأم بعد ذلك، على ثلاثة أقوال :( أحدها ) : أنها تأخذ ثلث الباقي في المسألتين؛ لأن الباقي كأنه جميع الميراث بالنسبة إليهما، وقد جعل الله لها نصف ما جعل للأب، فتأخذ ثلث الباقي ويأخذ الأب الباقي ثلثيه؛ هذا قول عمر وعثمان؛ وبه يقول ابن مسعود وزيد بن ثابت، وهو قول الفقهاء السبعة والأئمة الأربعة وجمهور العلماء ( والثاني ) : أنها تأخذ ثلث جميع المال لعموم قوله :﴿ فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثلث ﴾، فإن الآية أعم من أن يكون معها زوج أو زوجة أو لا؛ وهو قول ابن عباس، وهو ضعيف.


الصفحة التالية
Icon