وكان علي بن أبي طالب لا يشرّك بينهم، بل يجعل الثلث لأولاد الأم، ولا شيء لأولاد الأبوين، والحالة هذه لأنهم عصبة، وقال وكيع بن الجراح : لم يُخْتلف عنه في ذلك، وهذا قول أبي بن كعب، وأبي موسى الأشعري وهو مذهب أبي حنيفة والإمام أحمد، واختاره أبو الحسين بن اللبان الفرضي رحمه الله في كتاب الإيجاز.
وقوله :﴿ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يوصى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ ﴾ أي لتكن وصيته على العدل لا على الإضرار والجور والحيف، بأن يحرم بعض الورثة أو ينقصه، أو يزيده على ما فرض الله له من الفريضة، فمن سعى في ذلك كان كمن ضاد الله في حكمه وشرعه، ولهذا قال ابن عباس عن النبي ﷺ قال :« الإضرار في الوصية من الكبائر » ورواه ابن جرير عن ابن عباس موقوفاً، قال : والصحيح الموقوف، ولهذا اختلف الأئمة في الإقرار للوارث هل هو صحيح أم لا؟ على قولين ( أحدهما ) : لا يصح لأنه مظنة التهمة، وقد ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله ﷺ قال :« إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث »، وهذا مذهب مالك وأحمد بن حنبل وأبي حنيفة والقول القديم للشافعي رحمهم الله، وذهب في الجديد إلى أنه يصح الإقرار، وهو مذهب طاوس وعطاء وهو اختيار البخاري في صحيحه، واحتج بأن رافع بن خديج أوصى أن لا تكشف الفزارية عما أغلق عليه بابها قال : وقال بعض الناس : لا يجوز إقراره لسوء الظن بالورثة، وقد قال النبي ﷺ :« إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث »، وقال الله تعالى :﴿ إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأمانات إلى أَهْلِهَا ﴾ [ النساء : ٥٨ ] فلم يخص وارثاً ولا غيره، انتهى ما ذكره. فمتى كان الإقرار صحيحاً مطابقاً لما في نفس الأمر، جرى فيه هذا الخلاف، ومتى كان حيلة ووسيلة إلى زيادة بعض الورثة ونقصان بعضهم فهو حرام بالإجماع وبنص هذه الآية الكريمة :﴿ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ الله والله عَلِيمٌ حَلِيمٌ ﴾.


الصفحة التالية
Icon