كان الحكم في ابتداء الإسلام أن المرأة إذا ثبت زناها بالبينة العادلة، حبست في بيت فلا تمكن من الخروج منه إلى أن تموت، ولهذا قال :﴿ واللاتي يَأْتِينَ الفاحشة ﴾ يعني الزنا ﴿ مِن نِّسَآئِكُمْ فاستشهدوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي البيوت حتى يَتَوَفَّاهُنَّ الموت أَوْ يَجْعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلاً ﴾ فالسبيل الذي جعله الله هو الناسخ لذلك، قال ابن عباس رضي الله عنه : كان الحكم كذلك حتى أنزل الله سورة النور فنسخها بالجلد أو الرجم؛ وهو أمر متفق عليه، روى مسلم وأصحاب السنن عن عبادة بن الصامت عن النبي ﷺ قال :« خذوا عني خذوا عني؛ قد جعل الله لهن سبيلاً؛ البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام؛ والثب بالثيب جلد مائة والرجم » وقد روى الإمام أحمد عن رسول الله ﷺ أنه قال :« خذوا عني خذوا عني؛ قد جعل الله لهن سبيلاً؛ البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة؛ والثيب بالثيب جلد مائة والرجم » وقد ذهب الإمام أحمد بن حنبل إلى القول بمقتضى هذا الحديث، وهو الجمع بين الجلد والرجم في حق الثيب الزاني، وذهب الجمهور إلى أن الثيب الزاني إنما يرجم فقط من غير جلد، قالوا : لأن النبي ﷺ رجم ماعزاً والغامدية واليهوديين، ولم يجلدهم قبل ذلك فدل على أن الجلد ليس بحتم، بل هو منسوخ على قولهم، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ واللذان يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا ﴾ أي واللذان يفعلان الفاحشة فآذوهما، قال ابن عباس : أي بالشتم والتعيير والضرب بالنعال، وكان الحكم كذلك حتى نسخة الله بالجلد أو الرجم، وقال مجاهد : نزلت في الرجلين إذا فعلا اللواط، وقد روى أهل السنن عن ابن عباس مرفوعاً قال : قال رسول الله ﷺ :« من رأيتموه يعمل علم قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به » وقوله ﴿ فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا ﴾ أي أقلعا ونزعا عما كانا عليه وصلحت أعمالهما وحسنت :﴿ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ ﴾ أي لا تعنفوهما بكلام قبيح بعد ذلك، لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له :﴿ إِنَّ الله كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً ﴾، وقد ثبت في الصحيحين « إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها » أي لا يعيرها بما صنعت بعد الحد الذي هو كفارة لما صنعت.


الصفحة التالية
Icon