وقال قتادة في قوله تعالى :﴿ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أبى واستكبر وَكَانَ مِنَ الكافرين ﴾ : حسد عدوّ الله إبليس آدم عليه السلام على ما أعطاه الله من الكرامة وقال : أنا ناري وهذا طيني، وكان بدء الذنوب الكبر، استكبر عدوّ الله أن يسجد لآدم عليه السلام. قلت : وقد ثبت في الصحيح :« لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر » وقد كان في قلب إبليس من الكبر، والكفر، والعناد ما اقتضى طرده وإبعاده عن جناب الرحمة وحضرة القدس قال بعض المعربين ﴿ وَكَانَ مِنَ الكافرين ﴾ : أي وصار من الكافرين بسبب امتناعه، كما قال :﴿ فكان من المغرقين ﴾ وقال :﴿ فَتَكُونَا مِنَ الظالمين ﴾ [ البقرة : ٣٥ ] وقال الشاعر :

بتيهاء قفر والمطي كأنها قطا الحزن قد كانت فراخاً بيوضها
أي قد صارت، وقال ابن فورك تقديره : وقد كان في علم الله من الكافرين، ورجَّحه القرطبي، وذكر هاهنا مسألة فقال قال علماؤنا : من أظهر الله على يديه ممن ليس بنبي كرامات وخوارق للعادات فليس ذلك دالاً على ولايته خلافاً لبعض الصوفية والرافضة.
قلت : وقد استدل بعضهم على أن الخارق قد يكون على يدي غير الولي، بل قد يكون على يد الفاجر والكافر أيضا بما ثبت عن ابن صياد أنه قال : هو الدخ، حين خبأ له رسول ﷺ الله :﴿ فارتقب يَوْمَ تَأْتِي السمآء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ ﴾ [ الدخان : ١٠ ]، وبما كان يصدر عنه، أنه كان يملأ الطريق إذا غضب حتى ضربه عبد الله بن عمر، وبما تثبتت به الأحاديث الدجال بما يكون على يديه من الخوارق الكثيرة، من أنه يأمر السماء أن تمطر فتمطر. والأرض أن تنبت فتنبت، وتتبعه كنوز الأرض مثل اليعاسيب وأنه يقتل ذلك الشاب ثم يحييه إلى غير ذلك من الأمور المهولة. وكان الليث بن سعد يقول : إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة.


الصفحة التالية
Icon