﴿ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله ﴾ [ البقرة : ٢٢٩ ] الآية، وقال ابن عباس وعكرمة والضحاك : الفاحشة المبينة النشوز والعصيان واختار ابن جرير أنه يعم ذلك كله الزنا والعصيان، والنشوز وبذاء اللسان، وغير ذلك يعني أن كله يبيح مضاجرتها حتى تبرئه من حقها أو بعضه ويفارقها، وهذا جيد والله أعلم.
وهذا يقتضي أن يكون السياق كله كان في أمر الجاهلية ولكن نهي المسلمون عن فعله في الإسلام : وقال عبد الرحمن بن زيد : كان العضل في قريش بمكة : ينكح الرجل المرأة الشريفة، فلعلها لا توافقه فيفارقها على أن لا تتزوج إلا بإذنه، فيأتي بالشهود فيكتب ذلك عليها ويشهد، فإذا جاء الخاطب، فإن أعطته وأرضته أذن لها وإلا عضلها، قال فهذا قوله :﴿ وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُمُوهُنَّ ﴾ الآية. وقال مجاهد في قوله :﴿ وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُمُوهُنَّ ﴾ هو كالعضل في سورة البقرة، وقوله تعالى :﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بالمعروف ﴾ أي طيبوا أقوالكم لهن وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى :﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الذي عَلَيْهِنَّ بالمعروف ﴾ [ البقرة : ٢٢٨ ]، وقال رسول الله ﷺ :« خيركم خيركم لأهله؛ وأنا خيركم لأهلي » وكان من أخلاقه ﷺ أن جميل العشرة، دائم البشر؛ يداعب أهله؛ ويتلطف بهم ويوسعهم نفقته، ويضاحك نساءه حتى أنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها يتودّد إليها بذلك، قالت : سابقني رسول الله ﷺ فسبقته وذلك قبل أن أحمل اللحم، ثم سابقته بعد ما حملت اللحم فسبقني، فقال :« هذه بتلك ». ويجمع نساءه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله ﷺ فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد، يضع عن كتفيه الرداء وينام بالإزار، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلاً قبل أن ينام يؤانسهم بذلك ﷺ، وقد قال الله تعالى :﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [ الأحزاب : ٢١ ]، وأحكام عشرة النساء وما يتعلق بتفصيل ذلك موضعه كتب الأحكام، ولله الحمد.
وقوله تعالى :﴿ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فعسى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ الله فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ﴾، أي فعسى أن يكون صبركم في إمساكهن مع الكراهة، فيه خير كثير لكم في الدنيا والآخرة، كما قال ابن عباس : هو أن يعطف عليها فيرزق منها ولداً، ويكون في ذلك الولد خير كثير، وفي الحديث الصحيح :« لا يفرك مؤمن مؤمنة إن سخط منها خلقاً رضي منها آخر ».
وقوله تعالى :﴿ وَإِنْ أَرَدْتُّمُ استبدال زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً ﴾ أي إذا أراد أحدكم أن يفارق امرأة ويستبدل مكانها غيرها، فلا يأخذ مما كان أصدق الأولى شيئاً ولو كان قنطاراً من المال، وفي هذه الآية دلالة على جواز الإصداق بالمال الجزيل، وقد كان عمر بن الخطاب نهى عن كثرة الإصداق ثم رجع عن ذلك كما قال الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب يقول : ألا لا تغالوا في صداق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم بها النبي ﷺ، ما أصدق رسول الله ﷺ امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية.


الصفحة التالية
Icon