وعلى كل من القولين إشكال على مذهب الجمهور، وذلك أنهم يقولون : إن الأمة إذا زنت فعليها خمسون جلدة، سواء كانت مسلمة أو كافرة، مزوجة أو بكراً، مع أن مفهوم الآية يقتضي أنه لا حد غير المحصنة من الإماء، وقد اختلفت أجوبتهم عن ذلك، فأما الجمهور فقالوا : المنطوق مقدم على المفهوم، وقد وردت أحاديث عامة في إقامة الحد على الإماء فقدمناها على مفهوم الآية، فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحة عن علي رضي الله عنه أنه خطب فقال : يا أيها الناس أقيموا الحد على إمائكم من أحصن منهن ومن لم يحصن، فإن أمة لرسول الله ﷺ زنت فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديثة عهد بنفاس فخشيت إن جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك للنبي ﷺ فقال :« أحسنت اتركها حتى تتماثل » وفي رواية :« فإذا تعافت من نفاسها فاجلدها خمسين » وعن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول :« إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن زنت الثانية فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر ».
( الجواب الثاني ) : جواب من ذهب إلى أن الأمة إذا زنت ولم تحصن فلا حد عليها، وإنما تضرب تأديباً وهو المحكي عن ابن عباس رضي الله عنه، وإليه ذهب طاووس وسعيد بن جبير وغيرهما. وعمدتهم مفهوم الآية، وهو من مفاهيم الشرط، وهو حجة عند أكثرهم فقدم على العموم عندهم وحديث أبي هريرة وزيد بن خالد أن رسول الله ﷺ سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن؟ قال :« إن زنت فحدوها، ثم إن زنت فاجلدوها. ثم بيعوها ولو بضفير » قال ابن شهاب : لا أدري بعد الثالثة أو الرابعة. أخرجاه في الصحيحين. وعن مسلم قال ابن شهاب : الضفير :« الحبل »، قالوا : فلم يؤقت فيه عدد كما أقت في المحصنة، وكما وقت في القرآن بنصف ما على المحصنات، فوجب الجمع بين الآية والحديث بذلك والله أعلم. قال أبو عبد الله الشافعي رحمه الله : ولم يختلف المسلمون في أن لا رجم على مملوك في الزنا؛ وذلك لأن الآية دلت على أن عليهن نصف ما على المحصنات من العذاب، والألف واللام في المحصنات للعهد، وهن المحصنات المذكورات في أول الآية :﴿ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ المحصنات المؤمنات ﴾ والمراد بهن الحرائر فقط من غير تعرض للتزويج بحرة. وقوله :﴿ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات مِنَ العذاب ﴾ يدل على أن المراد من العذاب الذي يمكن تبعيضه وهو الجلد لا الرجم والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon