عن مجاهد قال، قالت أم سلمة : يا رسول الله يغزو الرجال ولا نغزو، ولنا نصف الميراث؟ فأنزل الله :﴿ وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ الله بِهِ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ ﴾، وقال عبد الرزاق عن معمر قال : نزلت هذه الآية في قول النساء ليتنا الرجال فنجاهد كما يجاهدون، ونغزو في سبيل الله عزَّ وجلَّ. وقال ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في الآية، قال : أتت امرأة إلى النبي ﷺ، فقالت : يا رسول الله للذكر مثل حظ الأنثيين، وشهادة امرأتين برجل، ونحن في العمل هكذا، إن فعلت امرأة حسنة كتب لها نصف حسنة، فأنزل الله هذه الآية :﴿ وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ ﴾ الآية. قال ابن عباس : لا يتمنى الرجل فيقول : ليت لو أن لي مال فلان وأهله، فنهى الله عن ذلك، ولكن يسأل الله من فضله، وهو الظاهر من الآية، ولا يرد على هذا ما ثبت في الصحيح :« لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، فيقول رجل : لو أن لي مثل ما لفلان لعملت مثله فهما في الأجر سواء » الحديث فإن هذا شيء غير ما نهت عنه الآية، وذلك أن الحديث حض على تمني مثل نعمة هذا، والآية نهت عن تمني عين نعمة هذا، ويقول :﴿ وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ الله بِهِ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ ﴾ أي في الأمور الدنيوية وكذا الدينية، لحديث أم سلمة وابن عباس، وهكذا قال عطاء بن أبي رباح : نزلت في النهي عن تمني ما لفلان، وفي تمني النساء أن يكنَّ رجالاً فيغزون.
ثم قال تعالى :﴿ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكتسبوا وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكتسبن ﴾ أي كل له جزاء على عمله بحسبه إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. هذا قول ابن جرير، وقيل : المراد بذلك في الميراث أي كل يرث بحسبه، رواه الوابلي عن ابن عباس، ثم أرشدهم إلى ما يصلحهم، فقال :﴿ واسألوا الله مِن فَضْلِهِ ﴾ لا تتمنوا ما فضلنا به بعضكم على بعض، فإن هذا أمر محتوم، أي أن التمني لا يجدي شيئاً، ولكن سلوني من فضلي أعطكم، فإني كريم وهاب، وقد روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود قال، قال رسول الله ﷺ :« سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يسأل، وإن أفضل العبادة انتظار الفرج » ثم قال :﴿ إِنَّ الله كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ﴾ أي هو عليم بمن يستحق الدنيا فيعطيه منها، وبمن يستحق الفقر فيفقره، وعليم بمن يستحق الآخرة فيقيضه لأعمالها، وبمن يستحق الخذلان فيخذله عن تعاطي الخير وأسبابه، ولهذا قال :﴿ إِنَّ الله كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ﴾.


الصفحة التالية
Icon