« لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها »، وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال، قال رسول الله ﷺ :« إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت عليه لعنتها الملائكة حتى تصبح » ورواه مسلم ولفظه :« إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح »، ولهذا قال تعالى :﴿ واللاتي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ ﴾.
وقوله تعالى :﴿ واهجروهن فِي المضاجع ﴾، قال ابن عباس : الهجر هو أن لا يجامعها، ويضاجعها على فراشها ويوليها ظهره، وكذا قال غير واحد وزاد آخرون في رواية : ولا يكلمها مع ذلك ولا يحدثها، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : يعظها فإن هي قبلت، وإلا هجرها في المضجع ولا يكلمها من غير أن يرد نكاحها وذلك عليها شديد. وقال مجاهد والشعبي : الهجر هو أن لا يضاجعها. وفي السنن والمسند عن ( معاوية بن حيدة القشيري ) أنه قال :« يا رسول الله ما حق امرأة أحدنا عليه؟ قال :» أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبّح، ولا تهجر إلا في البيت « وقوله :﴿ واضربوهن ﴾ أي إذا لم يرتدعن بالموعظة ولا بالهجران، فلكم أن تضربوهن ضرباً غير مبرح، كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر عن النبي ﷺ أنه قال في حجة الوداع :» واتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوان، ولكم عليهن أن لا يطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف « وكذا قال ابن عباس وغير واحد : ضرباً غير مبرّح. قال الحسن البصري : يعني غير مؤثر، قال الفقهاء : هو أن لا يكسر فيها عضواً ولا يؤثر فيها شيناً وقال ابن عباس : يهجرها في المضجع فإن أقبلت وإلا فقد أذن الله لك أن تضربها ضرباً غير مبرح، ولا تكسر لها عظماً فإن أقبلت، وإلا فقد أحل الله لك منها الفدية. وقال النبي ﷺ :» لا تضربوا إماء الله «، فجاء عمر رضي الله عنه إلى رسول الله ﷺ فقال : ذئرت النساء على أزواجهن، فرخص رسول الله ﷺ في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله ﷺ نساء كثير يشتكين أزواجهن، فقال رسول الله ﷺ :» لقد أطاف بآل محمد نساء كثير يشتكين من أزواجهن ليس أولئك بخياركم «.
وقوله تعالى :﴿ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ﴾ أي إذا أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يريده منها، مما أباحه الله له منها فلا سبيل له عليها بعد ذلك، وليس له ضربها ولا هجرانها. وقوله :﴿ إِنَّ الله كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً ﴾ تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب، فإن الله العلي الكبير وليهُنَّ، وهو منتقم ممن ظلمهُنَّ وبغى عليهن.


الصفحة التالية
Icon