وقال في المائدة :﴿ فامسحوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ﴾، فقد استدل بذلك الشافعي على أنه لا بد في التيمم أن يكون بتراب طاهر له غبار يعلق بالوجه واليدين منه شيء.
وقوله تعالى :﴿ مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ ﴾ [ المائدة : ٦ ] أي في الدين الذي شرعه لكم ﴿ ولكن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ﴾ [ المائدة : ٦ ] فلهذا أباح التيمم. إذا لم تجدوا الماء أن تعدلوا إلى التيمم بالصعيد، والتيمم نعمة عليكم لعلكم تشكرون، ولهذا كانت هذه الأمة مخصوصة بمشروعية التيمم دون سائر الأمم، كما ثبت في الصحيحن عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال، قال رسول الله ﷺ :« أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر؛ وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل »، وفي لفظ :« فعنده مسجده وطهوره، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة وكان يبعث النبي إلى قومه وبعثت إلى الناس كافة » وقال تعالى في هذه الآية الكريمة :﴿ فامسحوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ الله كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً ﴾ أي ومن عفوه عنكم وغفرانه ولكم أن شرع لكم التيمم، وأباح لكم فعل الصلاة به إذا فقدتم الماء، توسعة عليكم ورخصة لكم، وذلك أن هذه الآية الكريمة فيها تنزيه الصلاة أن تفعل على هيئة ناقصة من سكر حتى يصحوا المكلف ويعقل ما يقول، أو جنابة حتى يغتسل، أو حدث حتى يتوضأ إلا أن يكون مريضاً أو عادماً للماء، فإن الله عزَّ وجلَّ قد أرخص في التيمم - والحالة هذه - رحمة بعباده ورأفة بهم وتوسعة عليهم، ولله الحمد والمنة.
( ذكر سبب نزول مشروعية التيمم )
وإنما ذكرنا ذلك هاهنا لأن هذه الآية التي في النساء متقدمة النزول على آية المائدة، وبيانه أن هذه نزلت قبل تحريم الخمر، والخمر إنما حرم بعد أُحُد بيسير، في محاصرة النبي ﷺ لبني النضير، وأما المائدة فإنها من آخر ما نزل ولا سيما صدرها، فناسب أن يذكر السبب هنا وبالله الثقة. قال البخاري عن عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله ﷺ في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي، فأقام رسول الله ﷺ على التماسه، وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فأتى الناس إلى ابي بكر فقالوا : ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله ﷺ وبالناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر ورسول الله ﷺ واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال : حبست رسول الله ﷺ والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء!! قالت عائشة : فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعن بيده في خاصرتي، ولا يمنعني من التحرك إلا مكان رأس رسول الله ﷺ على فخذي، فقام رسول الله ﷺ على غير ماء حين أصبح، فأنزل الله آية التيمم فتيموا، فقال أسيد بن الحضير : ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر، قالت : فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته.