قال أبو العالية :﴿ وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ ﴾، يقول : يا معشر أهل الكتاب آمنوا بما أنزلت مصدقاً لما معكم يقول : لأنهم يجدون محمداً ﷺ مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل.
وقوله :﴿ وَلاَ تكونوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ﴾ قال ابن عباس : ولا تكونوا أول كافر به وعندكم فيه من العلم ما ليس عند غيركم، قال أبو العالية : ولا تكونوا أول من كفر بمحمد ﷺ بعد سماعكم بمبعثه، واختار ابن جرير أن الضمير في قوله ( به ) عائد على القرآن الذي تقدّم ذكره في قوله :﴿ بِمَآ أَنزَلْتُ ﴾، وكلا القولين صحيح لأنهما متلازمان لأن من كفر بالقرآن فقد كفر بمحمد ﷺ، ومن كفر بمحمد ﷺ فقد كفر بالقرآن، وأما قوله :﴿ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ﴾ فيعني به أول من كفر به من بني إسرائيل، لأنه قد تقدمهم من كفار قريش وغيرهم من العرب بشر كثير، وإنما المراد أول من كفر به من بني إسرائيل مباشرة، فإن يهود المدينة أول بني إسرائيل خوطبوا بالقرآن فكفرهم به يستلزم أنه أول من كفر به من جنسهم.
وقوله تعالى :﴿ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً ﴾ يقول : لا تعتاضوا عن الإيمان بآياتي وتصديق رسولي بالدنيا وشهواتها فإنها قليلة فانية، سئل الحسن البصري عن قوله تعالى :﴿ ثَمَناً قَلِيلاً ﴾ قال : الثمن القليل الدنيا بحذافيرها. وعن سعيد بن جبير : إن آياته : كتابه الذي أنزله إليهم، وإن الثمن القليل : الدنيا وشهواتها؛ وقيل : معناه لا تعتاضوا عن البيان والإيضاح ونشر العلم النافع في الناس بالكتمان واللبس، لتستمروا على رياستكم في الدنيا القليلة الحقيرة الزائلة عن قريب، وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« من تعلم علماً مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يرح رائحة الجنة يوم القيامة » فأما تعليم العلم بأجرة فإن كان قد تعين عليه فلا يجوز أن يأخذ عليه أجرة، ويجوز أن يتناول من بيت المال ما يقوم به حاله وعياله، فإن لم يحصل له منه شيء وقطعه التعليم عن التكسب فهو كما لم يتعين عليه وإذا لم يتعين عليه فإنه يجوز أن يأخذ عليه أجرة عند ( مالك والشافعي وأحمد ) وجمهور العلماء كما في قصة اللديغ :


الصفحة التالية
Icon